في كل مرة تذهب فيها إلى المطار، ليلا أو نهارا، ستشاهد حتما مجموعة كبيرة من العمال الأجانب الوافدين للعمل في البحرين. أعدادٌ كبيرةٌ تتدفق على البحرين كل يوم، وهي ظاهرة تنم عن فشلٍ لسياسات العمل والتوظيف والتنمية البشرية.
نسبة العاطلين عن العمل، بحسب دراسة «ماكينزي»، ما بين 13 و16 في المئة، وهي نسبةٌ قريبةٌ مما توصل إليه مركز البحرين للدراسات والبحوث، إذ قدّرها بنسبة 14 في المئة، بعدد إجمالي 20.199 عاطلا.
الاحصاءات السابقة تشير إلى وجود 33 ألف بحريني يعملون في القطاع الخاص، لا تزيد رواتبهم على 200 دينار، أما الأرقام الجديدة فتنزل بالرقم إلى 18 ألفا فقط. وفي مقابل هؤلاء، هناك ما بين 30 و50 ألف أجنبي مما اصطلح على تسميتهم بالعمالة السائبة (فري فيزا)، ولا ندري هل توجد مثل هذه النوعية من العمالة في أيٍّ من دول العالم الأخرى أم لا.
الإحصاءات الأحدث التي قرأناها قبل يومين، تسجّل مزيدا من التراجع في حصة العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وهي أرقامٌ لها دلالاتها المهمة هنا، خصوصا أن القطاع الخاص هو الذي يعوّل عليه من ناحية توليد مزيد من فرص العمل، بعد تشبّع القطاع العام وعجزه عن استيعاب مزيد من القوى العاملة الوطنية.
الأرقام تقول إنه في العام 2003 كانت حصة العمالة الوطنية في القطاع الخاص 30.1 في المئة، أما العام الماضي (2006) فقد تدنت إلى 21.4 في المئة فقط، وهو مؤشر خطير يدلك على التراجع الحاد في هذه النسبة.
وزارة العمل تطالعنا بين فترةٍ وأخرى بأرقامٍ ظاهرها مفرح وباطنها مقلق، فهي تتحدّث عن تراجع نسبة البطالة إلى 4 في المئة فقط. ولكن هناك شعورٌ عامٌ بأن هناك نوعا من الغموض المتعمّد، فضلا عن الخوف من تحوّل «المشروع الوطني للتوظيف»، إلى ما يشبه الوسيط الذي يجمع بين رأسين على الوظيفة: رب العمل والباحث عن العمل. ووظيفة «الوسيط» في هذه الحال قد تبرئ ذمة القائمين على المشروع، ولكنها لن تكون أكثر من علاج مؤقت، يتم خلاله تدبير وظائف لفئةٍ من العاطلين في هذه الفترة، ولكنها لن تضمن استمرار «تدبير» الوظائف الشاغرة بعد أعوام، بعد أن يستنفذ المشروع آلياته الذاتية ويغرق السوق بأعداد أكبر وأكبر من العمالة الوافدة.
وزارة العمل تعالج الموضوع بطريقة الطمأنة، وهي مقتنعةٌ كما يبدو بدور «الوسيط»، وفي المقابل تعالجه شقيقتها وزارة التنمية على طريقة المسكّنات والمعونات، إذ تغطي ما مجموعه 20.976 مواطنا، وهو رقمٌ كبيرٌ جدا بالنسبة إلى بلد صغير جدا، وتزداد دلالاته بوضعه ضمن السياق الاقتصادي والاجتماعي العام، إذ يعاني أكثر من 200 ألف مواطن اليوم من تدهور مستوى المعيشة. ووزارة التنمية يبدو أنها مطمئنة هي الأخرى إلى أنها تقوم بدورها على أكمل وجه وتبرئ ذمتها. ولكننا بهذه الطريقة نزداد بعدا عن حلّ أكبر وأصعب مشكلة تواجه البلد، ألا وهي التوظيف.
«العمل» تقوم بدور «الوسيط» لجمع رأسين على الوظيفة، و«التنمية» تقوم بدور توزيع المعونات، والعمالة الأجنبية تزحف لقضم حصصٍ أكبر من كعكة الوظائف المعروضة في السوق... بينما يسرد أبناؤنا من الخريجين الجدد معاناتهم في صفحات القراء، أو يعلنون عن وجودهم في باب «مطلوب وظيفة شاغرة». وبفضل هذه السياسات التي لا تتوجّه إلى جذور المشكلة في إصلاح التعليم أولا، سننتهي حتما إلى شعبٍ من المتسوّلين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1620 - الأحد 11 فبراير 2007م الموافق 23 محرم 1428هـ