كما هو معروف، شهدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال العقود الثلاثة الماضية نموا سكانيا متزايدا وتنمية اجتماعية واقتصادية متسارعة صاحبتها زيادات متعاظمة في معدلات الطلب على المياه. ونال القطاع البلدي النسبة الأكبر من هذه الزيادة، إذ ارتفع الطلب على المياه في هذا القطاع بدول المجلس من نحو مليار متر مكعب في العام 1980 إلى أكثر من 5 مليارات متر مكعب في العام 2000، وفي الأعوام العشرة الماضية سجل الطلب على المياه في القطاع البلدي لدول مجلس التعاون أعلى نمو بين القطاعات المستهلِكة للمياه، إذ بلغ نحو 200 في المئة.
لقد تركزت جهود دول المجلس في تلبية هذا الطلب المتزايد للقطاع البلدي بشكل رئيسي، على تنمية وزيادة إمدادات المياه ومعالجة مشكلات الموارد المائية من جانب العرض، وتمثل ذلك بشكل رئيسي في التوسع في بناء محطات التحلية وزيادة السحب من المياه الجوفية سواءٌ أكان للاستخدام المباشر في الحالات التي تسمح بها نوعية المياه بذلك أم بغرض خلطها مع المياه المحلاة لزيادة الكميات المتاحة للقطاع البلدي في حدود النوعية المطلوبة.
وعموما، لم تُبذل جهود جادة في مجالات إدارة الطلب والمحافظة وتحسين كفاءة الاستخدام؛ ما أدى إلى بروز استخدامات وأوضاع غير مستدامة للقطاع البلدي تمثلت في التزايد المستمر للطلب على المياه البلدية بمعدلات تفوق قدرة دول المجلس على مجاراتها، وارتفاع شديد لمستوى استهلاك الفرد إذ يصل متوسط استهلاك الفرد في دول المجلس إلى أكثر من 460 لترا في اليوم، ويصل هذا المعدل إلى درجات غير مسبوقة في بعض دول المجلس، مثل: دولة قطر، إذ يصل إلى أكثر من 740 لترا في اليوم. أضف إلى ذلك، أن كمية المياه الضائعة من خلال الشبكة بواسطة التسرب تتراوح بين 20 و40 في المئة، وأكثر من ذلك في بعض المواقع، من المياه البلدية الكلية؛ ما يؤدي إلى خسائر مالية عالية لحكومات الدول، وخصوصا أن نسبة كبيرة من المياه البلدية تزود بواسطة محطات التحلية، وتبلغ كلفة إنتاج المتر المكعب منها من دولار إلى دولارين أميركيين في دول المجلس.
ولقد نتج عن هذا الوضع، الذي أقل ما يمكن وصفه بغير الصحي وغير المستدام، مشكلات عدة في أنظمة التزويد وتكررت فترات انقطاعات المياه البلدية في الكثير من دول المجلس مثل دولة الكويت والبحرين ومدن عدة في المملكة العربية السعودية، وخصوصا في فترات الصيف، بسبب زيادة الاستهلاك العام وارتفاع معدل الاستهلاك للفرد من ناحية ومحدودية طاقة محطات التحلية وسعة التخزين من الناحية الأخرى. ولقد أثار هذا الموضوع المجتمع المحلي وتمت مناقشة مشكلة انقطاعات المياه في المجالس التشريعية والشورى، وساهم في زيادة الامتعاض الشعبي وعدم الثقة في كفاءة الخدمات الحكومية في قطاع المياه.
حاليا تدرس دول مجلس التعاون إنشاء شبكة ربط لمياه الشرب/ المنزلي فيما بينها لتلبية التذبذب في الطلب على المياه وفي حالات الطوارئ، إذ سيتيح هذا المشروع، بحسب ما ذكرته دراسة الجدوى، للمسئولين عن تزويد المياه في دول المجلس من 23-40 في المئة من احتياجاتهم اليومية في حالات الطوارئ من شبكة الربط هذه. يذكر أن فكرة المشروع قد تم اقتراحها بواسطة سلطنة عمان في العام 2000 وتم تكليف شركة استشارية (سوغريا الفرنسية SOGREAH) بالقيام بدراسة ما قبل الجدوى في العام 2003، ومن ثم دراسة الجدوى الحالية.
ويشتمل المشروع على بناء ثلاث محطات تحلية إقليمية عملاقة في منطقة صحار المطلة على بحر العرب، ومنطقة السيلة الواقعة في الجزء الغربي من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنطقة الخفجي الواقعة في المنطقة المحايدة بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية. وستستخدم جميع هذه المحطات تقنية التناضح العكسي بطاقة 60.5 مليون جالون في اليوم (275 ألف متر مكعب في اليوم أو ما يعادل 100 مليون متر مكعب في العام) لكل محطة، وستشمل محطة الخفجي على إنتاج الطاقة كذلك. وتشمل الشبكة المقترحة لتوصيل المياه المنتجة من هذه المحطات الثلاث على نحو 1324 كيلومترا من الأنابيب تمتد من صحار في سلطنة عمان إلى منطقة الخفجي في المنطقة المحايدة بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية والرياض. بالإضافة إلى ذلك يشمل المشروع أكثر من 70 محطة ضخ للمياه، وأكثر من 30 خزانا للمياه وإنشاء نظام إشراف وتحكم وجلب للبيانات.
وبحسب دراسة الجدوى للمشروع التي أعدتها الشركة الاستشارية لصالح دائرة الشئون الاقتصادية بالأمانة العامة لدول مجلس التعاون فإن القيمة التقديرية للمشروع ستبلغ نحو 3.86 مليارات دولار أميركي، موزعة على إنشاء شبكة الأنابيب بنحو 2.3 مليار دولار (أي 60 في المئة من الكلفة الإجمالية) وكلفة التحلية بنحو 1.56 مليار دولار (40 في المئة من الكلفة الإجمالية). ومن المتوقع أن يتبع المشروع بدرجة كبيرة مخطط وأسلوب مشروع شبكة الربط الكهربائي التي يتم إنشاؤها حاليا بكلفة 1.2 مليار دولار أميركي بواسطة هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون، أي أن تمتلك كل دولة من دول الخليج حصة بها، بينما تمتلك الشركة موجودات محطات التحلية.
ولقد بينت دراسة الجدوى للشركة الاستشارية جدوى المشروع تقنيا وماليا، إذ سيتيح الربط المائي للدول الأعضاء تقليل طاقة التخزين، ما سيؤدي إلى خفض كلفة الاستثمارات والتشغيل لأنظمة تزويد المياه على المستوى الوطني. ومن المتوقع أن تنتج الثلاث محطات ما مقداره 300 مليون متر مكعب سنويا سيتم تزويدها لدول المجلس من خلال شبكة الربط هذه.
وطبعا فإن هذا المشروع في حال الموافقة عليه من قبل دول المجلس وتنفيذه سيعد من أحد المشروعات الضخمة على مستوى العالم من حيث حجمه وموازنته وسيحل لفترة زمنية معينة إحدى المشكلات المزمنة لدول المجلس، كما أن كلفة شراء الماء من شبكة الربط ستكون أقل لبعض الدول من إنشاء محطات تحلية خاصة بها، أضف إلى ذلك أن الأضرار البيئية لمحطات التحلية في هذه الدول، وتتمثل في المياه الراجعة المالحة والمخلفات الكيماوية، ستكون بعيدة نسبيا عن سواحلها وبيئتها البحرية.
إلا أنه يبدو أن هذا المشروع موجه لحل ظواهر وأعراض مشكلة نقص المياه البلدية وليس جذورها، فالزيادة المتسارعة في الطلب على المياه البلدية وأنماط الاستهلاك في دول المجلس هي المشكلة الرئيسة وليس النقص في المياه، وإذا لم ترافق إجراءات تعظيم المتاح من الموارد المائية إجراءات مساندة تهدف إلى خفض الاستهلاك وتغيير أنماط الاستهلاك في دول المجلس فإن هذه المشكلة لن تحل على المدى البعيد، ويمكن أن تؤثر على جدوى هذا المشروع مع مرور الوقت.
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1619 - السبت 10 فبراير 2007م الموافق 22 محرم 1428هـ