العدد 1619 - السبت 10 فبراير 2007م الموافق 22 محرم 1428هـ

«حكماء» و«بوّابون»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طوال شهرٍ كامل، كان المواطن العربي يتألم من الأخبار القادمة من فلسطين، بسبب الاقتتال الداخلي الذي أوقع أكثر من تسعين قتيلا. مرحلةٌ بائسةٌ تجاوزت كلّ الخطوط الفلسطينية الحمراء، وضربةٌ مؤذيةٌ للضمير العربي والإسلامي.

بعد شهرٍ من الاشتباكات والحوادث المؤسفة، جاء الخبر المفرح من مكة المكرّمة، بشأن تشكيل حكومةِ وحدةٍ وطنية، برعايةٍ سعوديةٍ هي موضعُ مباركةٍ وتأييدٍ من كل مسلمي العالم، لأنها تتدارك الفتنة وتنزع الفتيل. وقبل أسبوعين بادرت السعودية مع إيران إلى احتواء التصعيد في لبنان.

الواقع العربي والإسلامي المأزوم بحاجةٍ إلى مثل هذه السياسات الناضجة المسئولة في هذا الظرف العصيب.

الفلسطينيون نزلوا بالآلاف إلى شوارع غزة وأضاءوا سماءها بإطلاق الألعاب النارية، فالمدينة لم تشهد مثل هذه الفرحة منذ سنوات. والمنطقة تحتاج إلى عقلاء وحكماء، ليتداركوا ما يفعله الجهّال والسفهاء في هذه المرحلة الخانقة من التاريخ الإسلامي.

الغريب انه في الوقت الذي كان ممثلو الشعب الفلسطيني يزورون مكّة المكرمة، ويلقون الترحيب الكامل من قادة الشقيقة الكبرى، كانت مملكة البحرين تستقبل شخصية سياسية عراقية بارزة، هو زعيم أكبر تكتلٍ برلماني في العراق الشقيق، بدعوةٍ من القيادة السياسية العليا لمناقشة القضايا التي تهمّ البلدين، لكن بعض «الجهات» انبرت إلى معارضة هذه الخطوة التقاربية البحرينية، رافعة عقيرتها بالاحتجاج على هذه الزيارة الرسمية.

هذه الأطراف وامتداداتها الإقليمية لم ترفع صوتها على ما نراه من انهياراتٍ في جدار المقاطعة الخليجية للكيان الصهيوني، فلم تحتج على بدء الزيارات العلنية لكبار المسئولين الإسرائيليين لدولنا الخليجية، فالقلم مرفوعٌ عن الأصدقاء الجدد القادمين من تل أبيب! أما زعيم أكبر كتلةٍ برلمانيةٍ انتخبها ثمانية ملايين عراقي، فهو سفّاحٌ وملطخةٌ يداه بدماء العراقيين! ولذلك لابد من إصدار بيانات تنديد وحملات شتائم وسباب مكثفة منذ خمسة أيام على مواقع الانترنت.

الخطوة الأخيرة لهذه الأطراف المتشنّجة، فضلا عما تمثّله من خروجٍ على السياسة الرسمية للمملكة الساعية إلى زيادة التقارب مع دول الجوار، فإنها تمثّل خروجا على تقاليد الضيافة العربية والأخلاق الإسلامية، فضلا عمّا يمثله ذلك من تشويهٍ لسمعة هذا الشعب الذي عرفه العالم بأخلاقه وطيبته وتسامحه وانفتاحه على الشعوب الأخرى.

أقلّ ما يقال في هذه «الهيصة البدوية» إنها إساءةُ أدب، ليس في حق أحد ضيوف المملكة فحسب، بل بحق السياسة الرسمية التي تتلمّس سبل التقارب مع الآخرين. والمسيء أكثر أن تتبنى بعض الجهات الإعلامية نشر هذه البيانات المسيئة للبحرين وسمعتها، وتنشرها على الصفحة الأولى. والأسوأ من ذلك كله أن ينصّب أحدهم نفسه متحدّثا باسم كل الشعب البحريني،بناء على «مكالماتٍ هاتفيةٍ» تلقاها من بعض أتباعه! وكان أليق به لو تحدّث عن نفسه، وليس عن كل البحرينيين، فالبحرينيون بغالبيتهم، وبمختلف طوائفهم وأعراقهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، أسمى أخلاقا، وأسمح نفوسا، وأرفع أدبا من مهاجمة ضيوف بلدهم، الذين جاءوا تقديرا واستجابة لدعوةٍ رسميةٍ تصب في صالح الشعبين الشقيقين.

للتاريخ، ولكي لا يتم تزوير حقبة جديدة أخرى، زائر البحرين سليل أسرةٍ علميةٍ عراقيةٍ من العرب الأقحاح، خدمت الإسلام وخرّجت مراجع للدين، ودفعت من دماء أبنائها عشرات الرجال، ضريبة الوقوف في وجه أشرس ديكتاتوريةٍ حكمت العراق بعد الحجاج الثقفي، الذي نصبه السفاء من قومنا سيّد شهداء العصر!

أمام هذا الموقف المتهوّر والخطاب ضيق الأفق، كأني بالبحرين، قيادة وشعبا، تردّ على «البوّابين» الانعزاليين بقول الشاعر العراقي ابن الصيفي:

فحسبُكُمُ هذا التفاوتُ بيننا وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1619 - السبت 10 فبراير 2007م الموافق 22 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً