عندما نفكر بمناطق مثل الشرق الأوسط أو في بلدان مثل الولايات المتحدة، فلماذا تتملكنا غالبا بعض الأفكار المسبقة عن نوعية الناس الذين يعيشون هناك وعمّا يجول في خاطرهم وكيف يتصرفون؟ فتلك الأفكار عن الشعوب والثقافات «الأخرى» تتكون لدينا مما نشاهده ونسمعه في وسائل الإعلام والتي تشمل السينما وإذاعات الراديو والتلفاز والأعمال الفنية والكتب والرسومات والمتاحف والإنترنت.
إن إظهار الشعوب والثقافات عبر وسائل الإعلام هي ليست نتاج عملية موضوعية وبريئة، بل كثيرا ما تتحكم بها دوافع سياسية أو تجارية. ويشارك في هذه العملية كل من له دور يلعبه في الإنتاج الثقافي من صانعي الإعلانات وشبكة الرؤساء والمحررين والمنتجين والمصممين وأمناء المتاحف والمؤلفين والفنانين. وهكذا، تشوهت نظرة الغرب لثقافات وشعوب الشرق الأوسط وغيرها من المجتمعات «غير الغربية»، ولكن السؤال هو ما هي أصول تلك الصور التي تظهر فيها الشعوب الأخرى في وسائل الإعلام؟
لقد أطلق إدوارد سعيد في عمله المعروف بذات الاسم على هذه الظاهرة بالإستشراق، وهو الإطار الذي اقتربت ضمنه ثقافات البيض السائدة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة في عهد الاستعمار من الشرق بمنهجية كموضوع للتعلم والاكتشاف والممارسة. فمثل هذا النص الأدبي يعطي الأولوية والأسبقية للدلالات الأوروبية والإمبريالية والعنصرية، وبذالك لم تنجح في فهم وتحليل سكان منطقة الشرق الأوسط بشكل صحيح. وغالبا ما يتم تصوير شعوب مناطق أخرى بطريقة سلبية ويشار إليها «بالأخرى» وكأنها شعوب خطرة ووحشية يتم التعامل معها مع شعور من الرعب والدهشة. وتعمل الجهات ذات السلطة على التلاعب بهذه المفاهيم لأهداف سياسية واقتصادية، وتكون النتيجة النهائية لهذا التلاعب هي تكوين أفكار مسبقة عمياء عن الشعوب والتقليل من شأن إنسانية «الآخر»، وبذلك تكون نقطة الانطلاق لسوء المعاملة وعدم المساواة والاضطهاد. ويستمر الغرب في التعامل بهذه الطريقة وحتى بعد أن تم التخلي عن المشاريع الاستعمارية الأصولية التي نشأت منها طرق التعامل هذه، موسعة بذلك الفجوة والانقسام بين الغرب و»بقية الدول».
في الإعلام الغربي، يظهر العرب عموما كشخصيات تهديدية وفي العادة يتم تصويرهم كإرهابيين. وأما عن المكتبات في الولايات المتحدة، فهي مليئة بالكتب والمجلات التي تنادي بإظهار وكشف الإسلام وكأنها قوة تهديدية سرية. وفي غضون ذلك، تساهم الأعمال الأدبية أمثال «العقل العربي» بقلم رافئيل باتي العام 1973، والذي انتقد بشدة في الأوساط الأكاديمية بسبب تعميماته التجريدية، في التأثير على صانعي السياسات المعاصرة.
واللافت للنظر هو مشاهدة أثر طرق التفكير هذه على الأحداث الأخيرة مثل حرب العراق. وكما تؤكد إدارة بوش مرارا وتكرارا أن سياستها في الشرق الأوسط ترمي إلى تحقيق الحرية والديمقراطية وأنه لن يتحقق إلا بتدخل غربي. ولا شك أن المنظور السلبي للعرب ورؤيتهم «كالآخر» يلعب دورا مهما في تجريد الإنسانية والتي أسفرت عن أعمال مؤسفة كتعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب. وهذه التسميات والتعميمات تذهب في كلا الاتجاهين، وتثير سوء التفاهم ما بين الأمريكان والولايات المتحدة والحكومات العربية والشعوب أيضا. وتنتشر «معاداة أميركا» أو «اللا أميركية» على نطاق واسع بين الحكومات والشعوب العربية وكثيرا ما ينظر إلى الولايات المتحدة وكأنها تسعى فقط وراء مصالحها الذاتية ودوافعها إلامبريالية. هذه النظرة السلبية مبنية على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومع ذلك تكون الولايات المتحدة أحيانا كبش فداء للمشاكل العربية في العالم العربي. فالعداوة والتعميمات السلبية «للآخر»، مرة أخرى، هي نتاج تلاعب مصالح ذاتية على يد مجموعات وشخصيات سياسية داخل المجتمع العربي.
إن الأفكار المسبقة عن «الآخر» هي التفسير الوحيد الذي يمكن أن يقدم تبرير للأعمال الإرهابية الفظيعة التي يرتكبها المتطرفون الإسلاميون في الشرق الأوسط وبقية بلدان العالم كنتاج للأفكار والمفاهيم الراسخة في ذهنهم عن الدين والغرب. ولكن أفكارهم وأعمالهم هذه لا تمثل الغالبية المسلمة في الشرق الأوسط أو في العالم.
في نهاية المطاف، المشكلة التي تواجهنا هي التعايش. كيف لنا، عرب ومسلمين وأمريكان وغيرهم، تقبل الاختلاف من دون التطرق إلى العدوانية والعمل على إقصاء مفاهيم مغلوطة عن بعضنا البعض؟ ينبغي اتخاذ تدابير كبيرة لاستئصال وحل القضايا الحرجة التي تخلق مثل تلك الأفكار المسبقة، ودحض الأفكار التي تغذي هذه الأزمات. ويجب إدخال برامج خاصة على المناهج التعليمية للمستويات المختلفة لتعليم الأجيال الناشئة أن تكون أكثر متسامحة واعتماد نهج مختلف يقدر آراءنا المتباينة فضلا عن قيمنا المشتركة. ومن الواجب أيضا تعزيز التفكير الناقد بين مختلف الشعوب ؛لتمكينهم من اتخاذ القرارات الراشدة في مواجهة الخطاب الإعلامي والسياسي يومياُ.
* كاتبان يشاركان في برنامج سوليا والذي يعمل أداة ربط بين طلاب من الولايات المتحدة وطلاب من الدول ذات الغالبية المسلمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1619 - السبت 10 فبراير 2007م الموافق 22 محرم 1428هـ