العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ

اللفّة المُدَوَّرِيَّة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل شهر ونصف من الآنَ كتبت عن أبي معروف (المُوحّدين الدروز). لاعتقادي بأنّ أهمية التقرّب الذهني من هذه الطائفة لاستجلاء غموضها هو بذات الأهمية التي يُوليها البعض بقضايا منطقة الهلال الخصيب. وهي المنطقة التي تضمّ أكثر من مليون دُرزي.

ولأنّ قضايا المُوحّدين الدروز اليوم مرتبطة في إدارتها السياسية والدينية والاجتماعية بطريقة تشكّلهم منذ القرن العاشر الميلادي فإنّ فهمهم يُصبح ذا وجاهة لإدراك الفِعل الدرزي يوما بعد يوم، سواء في لبنان أو سورية أو حتى فلسطين.

بين طبقات التاريخ المكتوب يظهر المُوحّدون الدروز على أن بناءهم الإثني قد تشكّل من خليط المجاميع العاربة والمستعربة في بلاد الشام. فمن قبائل اللخميّين العربية جاء التّنّوخيون، ومن هؤلاء جاء الأرسلانيون والبحتريون كأنّهم بطنيان درزيان تاريخيان.

وبسبب ذهاب ريح البحتريين التّنّوخيين بُعيد هجمات العسكر العثماني آلت الرئاسة الدرزية إلى آل معن المنحدرين من قبيلة ربيعة. وبعد مقتل زعامتهم من آل معن انقسم الدروز إلى قيسيّة ويمنيّة؛ ليدخلوا في صراع مرير زاد عن الأربعة عشر عاما وانتهى بغلبة القيسيّة وانهزام اليمنيّة إلى أغوار سورية.

هذا الانقسام الدرزي الكبير قاد لاحقا إلى انقسام متولّد في داخل القيسيّة المنتصرة؛ لتنشطر إلى يزبكيّة وجنبلاطية، واعتناق الحاكم الدرزي القيسي الديانة المسيحية المارونية. فيتهيأ لبنان لدخول حرب أهليّة بين المسيحيين والدروز في أربعينيات القرن الثامن عشر.

في جغرافيا بني معروف يستوطن الموحّدون الدروز منذ مئات السنين في مضارب الجبال القريبة من السواحل المتوسطية الشرقية، يجمعها الشمالان السوري والفلسطيني ويسندها جبل لبنان، ثم ترتد شمالا إلى حيث مرتفع السّمّاق المحصور بين حلب وأنطاكيا، ثم تنحدر صوب وادي التَّيْم السوري موصولا بجبل حرمون، ثم إلى الجليل فصفد الفلسطينية حيث ينتهي إلى جبل الكرمل (للاستزادة راجع كتاب( الموحّدون الدروز) لعبّاس الحلبي.

من قلب الديانة الدرزيّة تسمع بالخلوات الصوفية، وبالمجالس التي تنشط في ليالي الجمعة وبالمقامات والمزارات في العراق والحجاز وسورية ولبنان، وتسمع عن العُقّال والجسمانيين، وعن السّايس الذي يقود الصلاة في المجالس.

وتسمع عن عقيدة التقمّص الدرزية القائلة بأنّ «كل موحّد يُولد من جديد في جسد موحّد آخر» ثم تسمع عن إلباسهم الأموات أجمل ثيابهم ووضعهم في توابيت فارهة، ثم يُوارون في قبر عِلوي فوق مستوى الأرض، بالضبط كما هو عند المسيحيين، رغم وجود جماعة منهم تُصرّ على اتّباع الطريقة الإسلامية في مراسم الوفاة المُتّبعة.

ثم تسمع عن كتب الحكمة لديهم وكيف أنّها محفوظة عن أي مسعى لإعادة طباعتها، إيمانا منهم بأنّ تكثيرها يُسهم في سوء تفسير رسالتها وتشويهها على أيدي ضعاف العلم، وبالتالي فهم يتداولونها بالنسخ اليدوي للاستفاضة راجع كتاب (أضواء على مسلك التوحيد) لسامي مكارم.

وتسمع أيضا عن اللّفّة المُدَوَّرِيَّة التي لا يُعمّرها على هامة أحدٍ من العُقّال إلاّ من له أحقيّة ذلك، وتمتدّ سلطته إلى الدروز كافة في العالم. وفي تاريخ المُوحّدين الدروز لم تشهد العقيدة الدرزية إلاّ أربعة مشايخ فقط من هذا العيار.

وهم: الأمير عبدالله التَّنّوخي (ت 1479م)، وأبوأمين يُوسف طريف، شيخ عقل الطائفة الدرزية في فلسطين (ت 1993م)، وأبوحسن عارف الحلاوي في لبنان (ت 2003م)، واليوم يُمثلها أبو محمد جواد ولي الدين الذي يعيش في إحدى الخلوات الخاصة في بعقلين بمنطقة الشوف الجبلية. وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً