العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ

غزوة البوكمال!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يبدو أن الرئيس جورج بوش اعتمد وهو يقضي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض... سياسة جديدة في شن الغزوات! وهي سياسة بدأت فصولها منذ أشهر انطلاقا من أفغانستان المحتلة داخل أراضي باكستان، ونراها الآن تنطلق من العراق المحتل داخل الأراضي السورية.

سياسة الغارات ولّدت ردود فعل شديدة، قلبت الوضع في باكستان، وكانت سببا رئيسيا في زيادة الضغط الشعبي لتنحية برويز مشرف، ومجيء حكومةٍ على رغم ارتباطها بالغرب، إلاّ أنها وجدت نفسها في صدام مع الأميركان، حتى على مستوى العسكريين وقيادات الجيش. الرأي العام في باكستان وأفغانستان أصبح أكثر كراهية ومعارضة للسياسة الأميركية، والسيناريو نفسه سيتكرّر في الشام.

الصورة العامة للوضع السوري يوحي بضعف النظام، وخصوصا بعد الغارة الإسرائيلية على دير الزور، وتعرّض دمشق لعدد من الاختراقات الأمنية والتفجيرات، إلا أن الغارة الأميركية على البوكمال لن تمر هذه المرة بصمتٍ وطاطأةِ رأس.

طبعا لا أحد يتكلم عن رد فعل عسكري سوري مباشر حتى لو تكرّرت الغارات، لكن هناك أوراق أخذ يلعبها السوريون، من مطالبة الأمم المتحدة إدانة هذا الاعتداء على سيادة دولة عضو، والحديث بلغة القانون الدولي، والتشنيع الإعلامي بالإدارة الأميركية على ما ارتكبته من عدوان. فالسوريون الذين صدمتهم الغارة بعد شهور من الثناء الأميركي على تعاونهم في ضبط الحدود بما قلّل عدد المتسللين، فلجأوا إلى استخدام مفردات صارخة مثل «جريمة حرب»، و«عمل إرهابي»، و«عملية مجنونة»، في سياق ردة الفعل.

اللغة الإعلامية الحادة ليست وحدها بيد السوريين، وإنما ألمح بعضهم بما لديهم من «أوراق مؤلمة أخرى»، وهو تلميح إلى التداعيات المحتملة لوقف التعاون الأمني في ضبط حدود تزيد على 600 كم، والتساهل في تسلّل الانتحاريين للعراق. وهناك ورقة اللاجئين العراقيين في سورية، الذين يزيد عددهم على المليون، ويمكن لدمشق أن تطالب بوضع خطة لإرجاعهم، ولديها ألف سبب وسبب يبرّر ذلك، للضغط ليس على الأميركيين فحسب، بل على الحكومة العراقية التي تبرّع الناطق الرسمي باسمها، إلى تبرير العدوان، بينما لاذت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان بالصمت. وهذا الموقف المتسرّع الذي تنقصه الحكمة، سيؤثر تأثيرا سلبيا على كل ما تم إنجازه في مجال إعادة العلاقات بين البلدين. وبإمكان السوريين زيادة إحراج العراقيين، بمطالبتهم تحمل مسئولياتهم لمنع تكرار العدوان، وعدم استخدام أراضيهم كقاعدة للاعتداء على دول الجوار، رغم علمهم بضعف الموقف العراقي في قضية الاتفاقية الأمنية.

البعض فسّر «غارة البوكمال» على أنها محاولة لتغيير قواعد اللعبة، بنقل التهديد إلى أراضي الآخرين، في محاولة للتهويل على العراقيين أنفسهم لتمرير الإتفاقية الأمنية، التي سبقها التهديد بعواقب وخيمة إذا لم يرضخوا للتوقيع عليها من دون أية تغييرات يرونها ضرورية لحفظ استقلال وسيادة بلدهم وحفظ كرامتهم الوطنية.

صحيفة «الاندبندنت» البريطانية وصفت الغارة على البوكمال بأنها «خطيرة واستفزازية»، واعتبرتها «رسالة تحذير لأطراف أخرى ولكن ستكون لها تبعات دبلوماسية كبيرة»، وهي وجهة نظر دقيقة، فمن تبعاتها حتما، زيادة اقتناع العراقيين بضرورة الإسراع بإخراج الاحتلال، تجنيبا لبلدهم من شرور المحتل... وغضب الجيران.

إذا كانت سياسات بوش لمدة 7 أعوام و10 أشهر انتهت بإخفاق وفشل ذريع، فمن المؤكد أن حماقاته الصغيرة في آخر شهرين من ولايته، لن تجلب له إلاّ مزيدا من الفشل والإخفاق.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً