العدد 1618 - الجمعة 09 فبراير 2007م الموافق 21 محرم 1428هـ

معركة القدس والوحدة الفلسطينية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يعقد مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين اجتماعه الطارئ اليوم في القاهرة لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضد المسجد الأقصى. ويأتي الاجتماع بعد يوم من نجاح الفصائل الفلسطينية في وضع حد لذاك الانقسام السياسي بين فتح وحماس وكاد أن يجر البلاد الى حرب أهلية تصب في النهاية لمصلحة «إسرائيل» وتعطيها فرصة استكمال تثبيت احتلالها على الاراضي الفلسطينية ومواصلة مشروع تهويد القدس.

اجتماع اليوم في القاهرة خطوة في الاتجاه الصحيح لانه يعيد تأكيد الثوابت ويؤشر على ان المعركة لم تتوقف ما دام الاحتلال يرفض الانسحاب من الاراضي الفلسطينية ويصر على تغيير معالمها وهدم منازلها وتطويق سكانها بجدار الفصل العنصري ومنع أهلها من الصلاة في المسجد الاقصى.

معركة الدفاع عن القدس هي الاساس، لأنها تشكل تلك القوة الدافعة لإعادة إنتاج الوحدة الداخلية الفلسطينية. فالوحدة السياسية ليست في التوافق على حكومة وطنية تعتمد نظام المحاصصة بين فتح وحماس ومختلف الفصائل الفلسطينية. هذا جانب من الوحدة ضروري للمحافظة على تماسك المجتمع وتوازن مصالحه.

الجانب الأهم في الوحدة الوطنية هو التماسك الداخلي للدفاع عن الهوية العربية والإسلامية ومنع الاحتلال من مواصلة الجرف والتشويه وتغيير المعالم ونزع الشواهد التاريخية التي تشير الى عناوين اصحاب الأرض وحقوقهم.

معركة القدس الآن هي مركز الصراع في الفترة المقبلة وهي الكفيلة بتصويب الاتجاه الصحيح للمشكلة. اما معركة توزيع المقاعد والحقائب فهي لاترتقي الى ذاك المستوى المطلوب لتوحيد الداخل في مواجهة احتلال لايتردد يوميا في تأكيد سياسة الاقتلاع والاجتثاث وتوسيع المستعمرات وردم المعالم وتغيير الهوية.

ماحصل في مكة المكرمة يعتبر خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح. وكان لابد من تحقيق ذاك التفاهم لوضع حد لتلك الفضيحة السياسية التي كادت ، لوتواصلت تداعياتها، ان تفجر الوضع الأهلي وتفتح الباب أمام حكومة ايهود اولمرت لمواصلة مشروع الاستيطان والتهويد من دون رقابة أو اعتراض أو مواجهة مشروعه عربيا ودوليا.

التفاهم الفلسطيني الذي تم في مكة المكرمة برعاية سعودية جاء في الوقت المناسب. فهو اعطى اشارة تنبيه لخطورة الانقسام السياسي بين الفصائل في وقت تستعد فيه تل ابيب الى إعادة تأسيس خطة هجوم ضد الشعب الفلسطيني بهدف محاصرته وتغيير معالم مدنه ومقدساته. فالاقتتال الفلسطيني كان من الادوات المطلوبة لتمرير ذاك المشروع ومن دونه يصعب على الاحتلال مواصلة سياسة الاقتلاع والتشويه وجرف المعالم التراثية المحيطة بالمسجد الاقصى.

وقف الاقتتال شكل ضرورة سياسية لإعادة رسم خطوط المواجهة وتحديد مصدر الخطر الذي يهدد القضية بالتفكك الى شراذم تتحارب في الشوارع في وقت يواصل الاحتلال تثبيت وجوده في امكنة والتمدد في امكنة اخرى.

الا ان وقف الاقتتال يحتاج الى وعي سياسي ارقى من تلك التفاهمات على صيغة الحكومة الوطنية. فالتفاهم على توزيع الحصص ضروري لمنع ازدواجية السلطة من الانقسام الداخلي السلمي والذهاب الى نوع من الاحتراب الأهلي. ولكنه ليس كافيا لوضع حد لتلك الازدواجية التي تهدد الوحدة بالمزيد من المخاطر في حال لم تستوعب في دائرة تعتمد على آليات سياسية تحد من احتمال عودتها في ظروف اخرى.

الازدواجية الأهلية

ازدواجية السلطة تتجاوز حدود الحكومة الوطنية، فهي تطاول الكثير من الاوجه السياسية والايديولوجية والمجتمعية. وهذه الاوجه المختلفة تأسست عليها مجموعة قواعد لابد من احتواء سلبياتها حتى لاتتحول في المستقبل الى منافذ جديدة للفتنة الأهلية. فما حصل في شوارع غزة ومدن الضفة من مواجهات واقتحامات واختطافات متبادلة يشير الى وجود نوع من الانقسام الأهلي. وهذه الازدواجية الأهلية تعتبر الأهم لأنها هي التي شكلت تلك القواعد السياسية والايديولوجية والمجتمعية التي تأسست عليها ازدواجية السلطة.

التفاهم الفلسطيني على تشكيل حكومة وطنية يعتبر ذاك المدخل الفوقي الصحيح لاحتواء ازدواجية السلطة وضبطها ضمن معايير دستورية تمنع تجدد الانقسام السياسي. الا ان التفاهم السياسي على ضوابط تمنع انفجار ازدواجية السلطة لا بد ان تعقبه سلسلة تفاهمات تنقل التوحد الفوقي من إطار الحكومة الى إطار المجتمع. فالمشكلة الآن تكمن في قدرة السلطة على إنتاج آليات سياسية تحتوي الازدواجية الأهلية وتنقلها من دائرة الاستنفار والاستقطاب والتحشيد والتخوين إلى دائرة الانضباط الأهلي على مشروع وطني يوحد المشاعر والمصالح ويعيد تصويبها بالاتجاه الصحيح.

معركة القدس جاءت في الوقت المناسب لأنها تساعد الفصائل على تسريع عملية احتواء الازدواجية الأهلية وضبطها من جديد تحت لواء حكومة وطنية مؤقتة تمنع ازدواجية السلطة من الانفجار الداخلي وتعطل نقل الصراع من مجاله الدستوري إلى الشوارع والأزقة والأحياء.

أمام «تفاهم مكة» سلسلة مهمات لتحقيقها. والاتفاق على الحكومة الوطنية الموحدة يشكل تلك الخطوة السياسية الضرورية للحد من سلبيات ازدواجية السلطة. إلا أن الخطوات الأخرى تعتبر الأهم في سياسة احتواء تداعيات الازدواجية الأهلية. وتشكل معركة الدفاع عن مدينة القدس وهويتها العربية والإسلامية المدخل الصحيح لتعديل المسار الأهلي ونقله من دائرة الانقسام إلى دائرة التوحد.

معركة القدس التي افتتحتها حكومة اولمرت بقصد الابتزاز والاستفزاز جاءت في وقت مناسب،فهي تعطي قوة معنوية للفصائل لإعادة إنتاج وحدة وطنية تجمع كل القوى في سياق سياسي ينسجم في تطلعاته وأهدافه.

حكومة اولمرت أرادت من وراء فتح معركة المسجد الأقصى جس نبض الشارع الفلسطيني ومدى قدرته على التحمل والمكابدة والمجاهدة كذلك أرادت افتعال مشكلة كبيرة تتجاوز حدود فلسطين لتوحيد جبهتها الداخلية بعد انكشافها على ثغرات استراتيجية خلال فترة عدوانها الأميركي على لبنان في الصيف الماضي. فتل أبيب تخطط لنقل انقسامها الداخلي من دائرتها الحزبية الصغرى إلى إطار أوسع يستفز الدول العربية والإسلامية وذلك بهدف اعادة ترسيم حدود الصراع العربي - الصهيوني من خلال واجهة القدس ومسجدها الشريف.

«إسرائيل» لم تتراجع عن مشروعها حتى الآن وهي لاتزال تراهن على حروب التقويض التي تشنها الولايات المتحدة نيابة عنها ضد دول المنطقة العربية - الإسلامية. كذلك ترهن وجودها واحتلالها واستقواءها على مدى نجاح تلك الانقسامات الداخلية السياسية أو الأهلية (المذهبية والطائفية والمناطقية) في العراق ولبنان وفلسطين.

«إسرائيل» أيضا تستعد للهجوم المضاد من خلال رفض نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أسفرت عن إعادة تشكيل صورة جديدة للمشهد الفلسطيني، وكذلك من خلال رفض نتائج المواجهة العسكرية في لبنان التي انتهت إلى نوع من التوازن السلبي في القوى. وعلى هذه القاعدة لابد من إعادة قراءة المشهد العام في المنطقة. فالصراع لم يضمحل حتى تتقاتل الفصائل في فلسطين، كذلك العدوان على القدس لم يتراجع حتى تتواجه القوى العربية وتنقلب على الجوامع المشتركة. وأيضا لم يتبخر الخطر الإسرائيلي على لبنان بعد فشل العدوان الأخير حتى تنجرف الفصائل والقوى اللبنانية إلى ساحات الاقتتال الأهلي في الشوارع والأزقة.

إعادة قراءة المشهد العام يؤكد من جديد ان قوانين الصراع لم تتغير وبالتالي لا بد من العودة إلى ترتيب أولويات المواجهة وضبطها في سياق يشبه في جوانب منه ما حصل من تفاهم فلسطيني في مكة المكرمة وما يتوقع ان يحصل اليوم في اجتماع مجلس الجامعة العربية في القاهرة. فالقدس قضية مشتركة وهي تعني كل الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية . ومن هذا المدخل الجامع يمكن تصحيح الكثير من الأخطاء والأخطار ليس في فلسطين فقط وإنما في لبنان والعراق ومجموع الأقطار العربية والإسلامية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1618 - الجمعة 09 فبراير 2007م الموافق 21 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً