العدد 1618 - الجمعة 09 فبراير 2007م الموافق 21 محرم 1428هـ

حاكم المطيري وتجديد الخطاب السياسي الشرعي

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يمكن النظر إلى كتاب «الحرية أو الطوفان... دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية» لمؤلفه الأمين العام لحزب الأمة والأمين العام لـ «الحركة السلفية» في الكويت الشيخ حاكم عبيسان الحميدي المطيري على اعتبار أنه ضمن قلائل المراجِع البحثية التي تخضع مادتها المعرفية إلى منظور تقدمي عصري عبر اعتماد غاية التجديد والإنعام في التدقيق والغربلة والنخل بهدف التفريق بين ما هو لبس تاريخي من جهة، وفي الجهة الأخرى البحث عن الجذر المعرفي المرتبط بالشرع واللاهوت.

وكل تلك العمليات التجديدية والنخل اللاهوادة فيها على أمل التشتيت بين الذاتي والموضوعي في النص، سبق أن اتخذت لها مادة ومحيطا وسمة تربط بين ضفتي الدين والدنيا لطالما عُرِفَت بإثارتها الجدل الواسع، ونثرها الشبهات، ودقها باب النقاش ذا المناحي التصادمية؛ ما أكسب بالتالي هذا الكتاب قيمته العالية وجاذبيته المعرفية الكبرى، فهذا الموضوع الحساس هو موضوع الخطاب السياسي الشرعي في الإسلام.

وقد ذكر في البداية المؤلف الباعثَ الرئيسيَّ من تأليفه الكتاب في مقدمته المثخنة بمضاضة سوء الحال التي اجتمعت عليها الأمة، فكتب «لقد أصبح الناس يدعون اليوم إلى دين، إن لم يكن ممسوخا مشوها فهو مختزل ناقص لا تصلح عليه أمة ولا تستقيم عليه ملة، بل هو أغلال وآصار الإسلام الحق منها براء، أدى هذا الواقع، الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم من تخلف، وانحطاط، وشيوع للظلم والفساد، فكان لابد من مراجعة الخطاب السياسي الإسلامي».

وقبل الإيغال في مدارك واستنتاجات المؤلف بشأن هذه المسألة الكبرى ذات الأبعاد الحساسة والشفرات التاريخية القاطعة إلى حد اليقين المغالي، فإننا لابد من الإشارة إلى محاور رئيسية ركز عليها المؤلف في كتابه ألا وهي المحاور المرتبطة بنموذج الدولة الذي يصطفيه الشرع لأتباعه، ومحور آخر يتعلق بالمبادئ المسماة شرعا في الخطاب السياسي الشرعي، بالإضافة إلى محور يرتبط بالسنن التنظيمية المستقاة شرعا لتنظيم أمور الدولة من ناحية اختيار الإمام، وسبل الاختيار والاتفاق عليه وغيرها.

كما يتطرق المؤلف إلى سرد المراحل التاريخية التي مر عليها الخطاب السياسي الشرعي، وما طرأ عليه من تغييرات واختلافات نتيجة لترسبات تاريخية، وأفعال وتصرفات محيطية قاهرة أدت إلى تشويه الخطاب أو انتقاصه واختزاله، أو إخفاء جانب منه وتسليط الضوء على الجانب الآخر في منتهى الاستغلالية، وذلك خلال تلك المراحل بدءا من مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المنزّل ومرورا بمرحلة الخطاب السياسي الشرعي المؤول، وانتهاء بمرحلة الخطاب السياسي الشرعي المبدل.

أما بخصوص المرحلة التاريخية الأولى من مراحل تطور الخطاب السياسي الشرعي، ألا وهي مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المنزّل، فهي تمتد تقريبا من مطلع الهجرة النبوية إلى سنة 73 هـ، التي يبيّنها المؤلف أنها المرحلة الأولية من قيام الدولة الإسلامية في المدينة النبوية، وتنتهي عند وفاة الصحابي عبدالله بن الزبير.

ويشير الكاتب إلى أبرز الملامح المبدئية للخطاب السياسي الشرعي في هذه المرحلة الأولية من عمر الرسالة المحمدية، والتي يستند فيها الخطاب إلى دعامات مثل:

1 - ضرورة الدولة للدين، وإنه لا دين بلا دولة.

2 - ضرورة إقامة السلطة وإنه لا دولة بلا إمام.

3 - ضرورة عقد البيعة، فلا إمامة بلا عقد.

4 - لا عقد بيعة إلا برضا الأمة واختيارها.

5 - ولا رضا بلا شورى بين المسلمين في أمر الإمامة وشئون الأمة.

6 - وإنه لا شورى بلا حرية: ويشير هنا المؤلف إلى أن الإسلام ينص صراحة على أنه «كما للأمة الحق في اختيار الإمام، ومشاركته الرأي، وحق خلعه، فكذا لها الحق في نقده ومناصحته والاعتراض على سياسته، فالحرية السياسية أحد الأسس التي قام عليها الخطاب السياسي في هذه المرحلة التي تمثل تعاليم الدين المنزّل»، ويستدل على هذه الأحكام بعدد من النصوص الشرعية ومنها على سبيل المثال «لا إكراه في الدين»، إذ يشير المؤلف إلى حقيقة أنه «إذا كان الله عز وجل لا يكره عباده على الإيمان به وطاعته، فكيف يتصور أن يكره عباده على الخضوع والطاعة لغيره من البشر؟!»، وكذلك أقوال النبي (ص): «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه» و «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه»، ومقولة أبوبكر (رض) حينما قال: «إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني».

7 - وإن الحاكمية والطاعة المطلقة لله ولرسوله.

8 - تحقيق مبدأي العدل والمساواة.

9 - حماية الحقوق والحريات الإنسانية الفردية والجماعية وصيانتها.

10 - وجوب الجهاد في سبيل الله.

أما بخصوص المرحلة الرئيسية الثانية من مراحل تطور الخطاب السياسي الشرعي، فهي مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المؤول، التي تمتد من بداية تحوّل الخلافة من مبدأ الشورى إلى واقع الملك العضوض، والتي سبق أن أخبر بها النبي (ص) حينما قال: «أول من يغير سنتي رجل من بني أمية».

كما تميزت هذه المرحلة التاريخية التي شهد فيه الخطاب السياسي الشرعي التخلي عن الكثير من ثوابته ومبادئه ومفاصله الأساسية، وذلك بما هو آتٍ كما ذكره المؤلف:

1 - مصادرة حق الأمة في اختيار الإمام وتحوّل الحكم من شورى إلى وراثة: يعد يزيد بن معاوية أول خليفة يصل عن طريق الوراثة، إذ أدت هذه الطريقة الانقلابية على الشرع الإسلامي في تسلم السلطة في حينها إلى اضطراب الأمور في البلاد الإسلامية على هذا النمط السلطوي الجديد والدخيل على مبادئ الإسلام.

2 - مصادرة حق الأمة في المشاركة في الرأي والمشورة.

3 - غياب دور الأمة في الرقابة على بيت المال.

4 - تراجع دور الأمة في مواجهة الظلم والانحراف: وهنا يشير المؤلف إلى سلسلة من الحوادث التاريخية في تجارب الخروج على الولاة لأسباب متعددة وما تتبعها من ردات فعل مختلفة، وكيف أصبح تحريم الخروج بعدها على «ولي الأمر» أصلا من أصول العقيدة لمجرد بضعة حوادث تاريخية أتت في سياق زمني محدد!

ويشير المؤلف إلى أسباب شيوع هذا الخطاب المتراجع إلى الكثير من العوامل ومنها كما ورد في الكتاب:

1 - اعتماد النظرة الجزئية بدلا من النظرة الكلية، إذ يرى أصحاب الخطاب أن الخروج على «ولي الأمر» هو أساس المفسدات، في حين أن هناك تجاربَ للخروج والتمرد آتت ثمارا طيبة يذكرها المؤلف كـ «تجربة خروج ابن الزبير على يزيد وكان عهده خيرا من عهد يزيد، وخرج العباسيون على بني أمية، وكان عصرهم خيرا من عصر بني أمية» ويواصل المؤلف سرده «وظهر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأقام دولته مع محمد بن سعود، وكان عصرهم خيرا ممن قبلهم»، فهل جميع هؤلاء عصاة مردة وخارجون عن الدين تسببوا بزرع الفتن إن كان الخروج على الحاكم والوالي الظالم حراما شرعا؟

2 - الخلط بين مفهوم الخروج السياسي لمواجهة طغيان سلطة أو نظام معين ومفهوم الخروج العقائدي عن الملة: ويشير هنا المؤلف إلى عددٍ من أقاويل ابن تيمية المنتقدة مثل هذه التخليطات، التي من بينها قوله: «القتال لمن خرج عن الشريعة والسنة، فهذا الذي أمر به النبي (ص)، وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة إمام معين فليس في النصوص أمر بذلك».

3 - شيوع أحاديث الفتن من دون فهمها بشكل صحيح: الزمن المقبل أسوأ من الذي قبله.

4 - شيوع نظريات «الإرجاء - الجبر - الاعتزال - الرضا بالبلاء وعدم مقاومته إلا بالدعاء».

5 - الغلو في تعظيم طاعة السلطان.

وغيرها من أسباب كثيرة ذكرها المؤلف في كتابه التجديدي، القيم مسنودة بالنصوص الشرعية الموثق بها، ولا يتسع المجال هنا لذكرها. وجميع هذه الأسباب المذكورة أدت إلى ما أدت إليه من إثخان بنيان الأمة الإسلامية التي تتالت عليها النكبات والهجمات والغزوات الاستعمارية الهمجية بفضل شيوع هذه الخطابات الانهزامية والتراجعية عن شرعة الإسلام السمحاء الصالحة لكل مكان وزمان، والتي لا تحمل في طعمها وفي سحنتها أية ذرة من معين الهدي الرباني والنبوي، والتي للأسف تجد لها رواجا وانتشارا في لحظتنا الزمنية الراهنة لينقلب علماء الدين الأجلاء إلى كهنة قصور جاهلية، وسدنة معابد الطاعة الوثنية الأزلية، ولنا في ذلك حديث مستمر عسى أن يوفقنا الله في الانتهاء من عرض أبرز ما جاء في هذا الكتاب.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1618 - الجمعة 09 فبراير 2007م الموافق 21 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً