واضعو الاستراتيجيات الأمنية الوطنية سنويا في التجمع الأكثر رقيا في «إسرائيل» يجتمعون في ظل التهديدات الإيرانية والعنف الفلسطيني، سمعوا نداء أعلى مسئولي «إسرائيل» مكانة الداعي إلى بناء دبلوماسية متجددة لكونها الطريقة الأمثل للحفاظ على «إسرائيل» آمنة.
وفيما يعتبر تحديا للتخمين الدولي بأن «إسرائيل» أو أميركا تخططان لضربات عسكرية على منشآت إيران النووية، يجادل معظم قادة «إسرائيل» الذين تحدثوا في اجتماع هذه السنة لمؤتمر «هرتسيليا» - بمن فيهم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمعون بيريز، وزير الدفاع عمير بيريتس ومجموعة من الخبراء في مجال الدفاع - بأنه يمكن احتواء إيران من خلال المزاوجة (الجمع) بين الردع وبناء تحالف مع الدول العربية المعتدلة.
وجادل الكثير من المشاركين بمن فيهم مشاركون أميركيون، أوروبيون وقادة إسرائيليون بأن صفقات سلام مع سورية والفلسطينيين يمكن أن تكون خطوة أولى أساسية.
وتتناقض هذه الآراء التي تم عرضها بحدة مع المواقف التي يعبر عنها مدافعو «إسرائيل» في الغرب بأن حل أزمات الشرق الأوسط العامة لا علاقة لها بخلافات «إسرائيل» مع جيرانها.
وأخذ أقلية المتحدثين موقفا شديد التشاؤم، متوقعين استمرار العدائية والمواجهات على كل الجبهات.
ومع ذلك، أكد معظم المتحدثين أن «إسرائيل» يمكنها أن تضمن أمنها بأفضل شكل من خلال الدبلوماسية والمفاوضات - مع سورية، الفلسطينيين، العرب من دول الاعتدال - ما من شأنه أن يعزل ويغضب إيران في الوقت نفسه.
يقول رئيس الوزراء السابق ورجل الدولة الإسرائيلي بيريز، في خطاب ألقاه وقت الغداء في المؤتمر: «إن العقوبات والمقاطعة الاقتصادية والسياسية يمكن أن تعيد إيران إلى حجمها الطبيعي». وأضاف أن «رئيس إيران كثير اللغط ومثير المشكلات محمود أحمدي نجاد قد قام بعمل رائع بإبعاد معظم الدول الأخرى عنه؛ ما جعل مهمة (إسرائيل) أكثر بساطة».
وتابع «يجب ألا نكون محدودي الفكر، ومحكومين بالنبوءات - في إشارة خفية إلى نبوءات يوم الحساب التي تحدث عنها قائد الليكود بنيامين نتنياهو - وإني لا أوصي أن نأخذ هذا الأمر باستخفاف ولكننا لم نعد في العام 1938 وهتلر ليس قادما إلينا. الآن توجد دولة يهودية ولن نقف مكتوفي الأيدي وكأن الأمر لا يعنينا».
ونطقت ليفني بملاحظة أكثر حذرا نسبيا في خطاب ألقته ذاك المساء. فبينما لفتت النظر إلى أن «أمن دولة (إسرائيل) مبنٍ على القدرة والقوة العسكرية؛ ما يتطلب مخابرات جيدة وقوة ردع شديدة»، وقالت: «إن مصلحة (إسرائيل) العليا حاليا تُملي البدء بمفاوضات مع الجناح المعتدل في القيادة الفلسطينية».
وفي خطاب موجه إلى الجمهور الإسرائيلي كان له وقع رئاسي لامست فيه الفضائح الداخلية الإسرائيلية غير المتناهية ودعت الإسرائيليين إلى تجاوز حزنهم الوطني، وقدمت نفسها خليفة طبيعيا لرئيس الوزراء الجريح إيهود أولمرت. وعززت رسالتها الأساسية والجوهرية وهي أن مصالح «إسرائيل» الوطنية كدولة يهودية «تتطلب منا أن نقبل مبدأ الدولتين لشعبين، والعمل مع الفلسطينيين المعتدلين، والدول العربية المعتدلة والعالم الحر بأسره لاحتواء التطرف (التعصب) الديني في المنطقة».
إن فكرة تشكيل تحالف مع الدول العربية المعتدلة كانت الموضوع الذي تم طرحه خلال المؤتمر الذي استمر 3 أيام من قِبل القادة الإسرائيليين الأكاديميين، والمسئولين العسكريين إضافة إلى القادة الزائرين والأكاديميين المشاركين من أميركا وأوروبا.
وأكد المتحدثون أن الخوف من برنامج إيران النووي يتسبب بالرعب، ليس فقط في القدس بل أيضا في الرياض، القاهرة، عمّان وغيرها من العواصم العربية. وهذا الخوف المشترك تسبب بخلق انفتاح جديد بين الدول العربية باتجاه تحالفات مع جيرانهم في المنطقة. وهذا بدوره سيعزل إيران ويحد من حريتها في التحرك في مواجهة الضغط الدولي لإنهاء طموحاتها النووية.
وقال المتحدث الفظ مدير مكتب الجيش السياسي لوزارة الدفاع الحاكم العسكري السابق للضفة الغربية عاموس جيلاد: «هذه أول مرة ألاحظ فيها مثل هذا الخوف بين العرب. نحتاج إلى تقوية كل اتصال ممكن مع مصر والسعوديين وطبعا الأردنيين». وأشار جيلاد إلى أن عملية السلام مع الفلسطينيين لاتزال في مرحلة متقلبة بسبب قيام ما أسماه «حماسستان» في غزة. ولكنه قال: «إن (إسرائيل) يجب أن تقوم بكل ما تستطيع فعله لتقوية السلطة الفلسطينية وقائدها محمود عباس لإضعاف (حماس)». ودافع أيضا عن محاولة الاتصال بسورية وإقناعها بإنهاء تحالفها مع إيران و «تغيير المواقع»، علما بأنه تحدث عن نفسه وليس باسم الحكومة.
مسئول جيلاد، بيريتس مضى أبعد من ذلك بأن أعلن خطته ثلاثية المراحل للسلام مع الفلسطينيين. إن خطته التي تم تسريبها للإعلام بشكل مسبق تجمع أجزاء من المبادرة السعودية للعام 2002 التي «توفر سلاما كاملا واعترافا مع كل الدول الأعضاء في الجامعة العربية مقابل عودة (إسرائيل) إلى حدود 1967...».
صحافية أميركية ومراسلة الشرق الأوسط لصحيفة «جيروسلم بوست»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1617 - الخميس 08 فبراير 2007م الموافق 20 محرم 1428هـ