العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ

الرقص على أنغام «اللبننة»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نظّمت جمعية الاقتصاديين مساء أمس الأول ندوة عن الاقتصاد البحريني، تحدّث فيها النائب عزيز أبل، وجمال فخرو (عضو الشورى)، وأحمد اليوشع (مستشار اقتصادي). ومن القضايا التي أثاروها مشكلة المعلومات، إذ أشار أبل إلى طريقة تعيين معدل التضخّم في الثمانينات، باجتماع ثلاثة أشخاص، أحدهم وزير التنمية المرحوم يوسف الشيراوي، ليطرحوا رقما غير واقعي، لئلا يتأثر الاقتصاد الوطني فيما لو طُرح الرقم الحقيقي!

اليوم لا ندري كم كانت تلك السياسة ناجحة، لكن الإشكال في طريقة مواجهة المشكلات والتعامل مع الحقائق. وهي قضيةٌ تهمنا أكثر في المجال الإعلامي، إذ نتكلم عن صحافةٍ تحترم روح الإصلاح؛ وإعلامٍ يحترم مكونات هذا الشعب؛ وأقلامٍ لا تفكّر بعقلية رجال المخابرات، وهو الإرث الذي لم تتجاوزه بعض «الجيوب» الإعلامية بعد! ففي الصباح، تخرج عليك صحيفةٌ بمانشيت أحمر: «فشل ذريع لاشتباكات أرادتها فوضى على الطريقة اللبنانية»، وتدّعي كشف خبايا «اللبننة»، فيتلقفها بعض المهرّجين الطائفيين... (فأر وشايف شحمة)!

هذا بينما لاتزال الذاكرة الجماعية للشعب تختزن مواقف الصحف القديمة من الحركة الشعبية المطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي في التسعينات. مواقف متخاذلة، أقل ما يقال عنها إنها مخجلةٌ وطنيا وسياسيا وإنسانيا، حين كانت تتفنّن في عصر الليمون على جروح آلاف المواطنين من ضحايا «أمن الدولة»، معتقلين ومشرّدين، مع طوابير طويلة من المعذّبين... أمهات وآباء وأبناء وأرامل.

اليوم تعود تلك الصحافة المريضة، في نسخةٍ أكثر طائفية، استهواها اللعب بنار الفتنة، حتى نسيت أبسط معايير المهنية والالتزام الأخلاقي والمسئولية الوطنية في حدها الأدنى. فالآراء الشخصية والتحليلات «المؤامراتية» تقدمها على الصفحة الأولى على أنها أخبار... منتهى الحرفنة والمهنية!

والعقل المسكون بتهاويل المؤامرة، يختلق المؤامرات ويبتدع المخطّطات، ولإثبات ذلك في بلدك ينشر صورة أرشيفية من مظاهراتٍ جرت في بلد آخر! وهو هاجسٌ أمنيٌ مَرَضيٌ من مخلّفات حقبة «أمن الدولة»، كان حريا بالبحرين الإصلاحية أن تتجاوزه حتى تنظر في مشكلاتها الحقيقية بحثا عن حلول وعلاجات للاحتقانات ذات الجذور الاقتصادية والاجتماعية.

هذه الصحافة التي تضلّل قراءها، لا ترى الواقع إلاّ بمنظار المؤامرة، فتصرّ على أسلوب المعالجة الأمنية وتحرّض على استخدام القمع والرصاص، وهي أساليب جرّبناها ثلاثة عقود حتى التخمة، فلم تزد البحرين إلاّ تخلفا وتراجعا وتأخرا عن أقرب جاراتها... حتى في مجال الألعاب الرياضية.

لدينا مشكلات وتراكمات، وعلينا أن نكون شجعانا في الاعتراف بوجودها، لمعرفة أسبابها الحقيقية ومعالجتها، أما أساليب التهويل والتضليل فإنها تبعدنا عن طرق الحل وتأمين سلامة وأمن البلد. وآخر عمليات التضليل هو محاولة إسقاط «اللبننة» على حوادث الجمعة المؤسفة.

ليس هناك من يؤيد حدوث أية صدامات بين قوات الشرطة وفئات من الشعب، فكل خسارةٍ ماديةٍ أو بشريةٍ في أي جانب كان هي خسارة للبحرين. مع ذلك فإن استيقاظ الناس في يوم العطلة الأسبوعية على مسجاتٍ تتحدّث عن حدوث اعتقالات فجرا، فجّرت تلك الذاكرة الملآى بذكريات زوار الفجر التعيسة. والكثيرون تساءلوا: مهما كان الجرم، ألم يكن من الحكمة إرسال استدعاءات للمتهمين ليحضروا بأنفسهم للنيابة يوم الدوام الرسمي بدل مداهمة منازل المواطنين بقوات الأمن عند صلاة الفجر؟ المضلّلون مغرمون باستيراد النيران الطائفية من المناطق المتوترة، مرة من العراق، ومرة من لبنان، ولو كان في فلسطين المحتلة سنةٌ وشيعةٌ، لاستوردوا لنا نارا ثالثة. هذه هي هوايتهم كما يبدو، فبعد أن استهلكوا «الصفوية»، انتقلوا اليوم إلى معاصر «اللبننة»، وغدا إلى «الأفغنة»، فمتى يأتي عليهم يومٌ يرجع إليهم رشدهم فينتقلون إلى «العقلنة»؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً