خائفون جدا على الهوية، على الأصل، على المنبع، وعلى الرسالة. وعوض التفاعل مع النقد ومحاولة إعادة التشكيل المثمرة لهذا الأصل/ المنبع/ الهوية/ الرسالة تبدأ صناعتهم في الرواج. الصناعة: «الحجب». مبرر الحجب: مقولات «الفزاعة» التي تحذر من الخطر القادم. المهمة: الإنقاذ. الثمن: أي شيء.
لن تجد في حدود الشرق أو الغرب حضارة تمانع الحضارة كما تفعل حضارة العرب. خصوصيتهم آلة التفرد/ القهر/ القمع الكامنة. يجيدون من خلالها استثمار الوقت/ قتل الوقت/ العبث بالوقت. وهكذا تكون الديمقراطية لديهم - التي هي حضارة الخارج ومنتجه المُفزع - بمثابة «زائر الليل» بتعبير بوديار. إذ لا يأتي إلا بعد أن يجهز أصحاب البيت كل شيء.
الخروج على المدنيّة بالمدنيّة. الدوار على الدوار. البقاء في الأمس بصفة التدرج في الأمس نفسه. وكلما أضاء نورس العقل أملا في الصحوة خرجت خفافيش الظلمة بالنار تبث رعبها. حيث «السكون» جوهر الحياة، منّة «الأمن» و «الطمأنينة» ورضا «الرب». البقاء في اللامعقول. هذه فلسفة «الخلق» الجديدة.
وعلى رغم أنهم لم يسهموا عظيم المساهمة في المعرفة. فإنهم مهووسون بأسلمة وتعريب كل ما يعجزون عنه. أسلمة المعرفة هنا، وتعريبها هناك. فكل الحكمة «عربية» وليست الكيمياء أو الفيزياء إلا عربية إسلامية تارة علوية، وتارة أخرى أموية! الحلم الكبير الذي لا ينتهي ولا يكل عن التماهي في العقل وفي مقررات المدارس المسكونة بالميتافيزيقيا.
الخارجون على الحضارة الإنسانية ازدادوا الآن هوسا بالموت. اخترعوا ولائم الآخرة بمعية الأنبياء والصديقين. الموت في غير أوانه أصبح صيحة حضارتهم الجديدة التي مازالت قادرة على الإنتاج. وعلى العقل الإنساني أن يحاول إدراك الصورة، وقبل ذلك تفكيكها ذلك أنهم في كنه حضارتهم دنيويون جدا، أُخرويون جدا، مسخ من أدوات الفهم/ مسخ من الفهم نفسه، ومسخ من اللغة قبل ذلك.
الخصوصية «نكرة» الفهم التي لا تنقضي. وليس ثمة شيء خارج حدودها. لعبة الحياة في «الأمس» تستهوي المحكوم قبل الحاكم. وحتى تخرج «الجنية» من زجاجة التاريخ عليك أن تبرع في الإعادة. والإعادة. ما بال الصبية لا يكبرون! نعم، إنها حضارة الموت أمس عبر فلسفة «النماء» في الغد الذي لا يأتي.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ