العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ

أميركا وإيران... والمتغيرات الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما هي الحدود القصوى التي يمكن أن تصل إليها ضغوط الولايات المتحدة على إيران؟ الحدود القصوى تتصل أيضا بالحدود الدنيا وما تتطلبه من إمكانات التفاهم بين طهران وواشنطن. فالأقصى يتصل سياسيا وميدانيا بالأدنى. وهذا ما يمكن ملاحظته من التوجهات المتعارضة من إدارة جورج بوش ومراكز القرار في الولايات المتحدة. الإدارة ترسل إشارات في اتجاهات مختلفة كذلك مراكز القرار من الكونغرس إلى البنتاغون ومجموع الهيئات التي تخطط التوجهات الاستراتيجية لأميركا.

هناك مثلا من ينصح بوش بإجراء اتصال مع طهران ودول الجوار (تقرير بيكر - هاملتون) للتفاهم على صيغة تضمن توازن المصالح في العراق. وهناك من يشجع بوش على المزيد من التورط وربما توسيع جبهة المغامرة العسكرية (نائب الرئيس ديك تشيني). وهناك من يقف في وسط الطريق وينصح بالتفاوض والحوار والاتصال لحماية الوجود الأميركي في المنطقة مقابل تنازلات محدودة تقدمها الإدارة لطهران في العراق وربما لبنان. وهناك من يرفض تقديم ضمانات أو هدايا لكنه يرفض في الآن الدخول في مواجهة عسكرية غير مضمونة النتائج.

السياسة الأميركية حتى الآن غير واضحة المعالم، فهي تتجه ميدانيا نحو التصعيد وصولا إلى الحد الأقصى وفي الوقت نفسه تتجه سياسيا نحو التفاوض وصولا إلى الحد الأدنى. وبين الحدين تبدو واشنطن سائرة في اتجاهين متعارضين. مرة تقول إنها ترسل الوفود إلى طهران للاتصال وجس النبض ومرة تتهمها بأنها تقف وراء سياسة زعزعة الاستقرار الأمني (والمذهبي) في العراق ولبنان وفلسطين.

بين الحدين الأقصى والأدنى يمكن طرح السؤال: ما هي حدود التفاوض بين أميركا وإيران، وما هي المناطق التي يمكن أن تقدم فيها واشنطن لطهران التنازلات؟

بداية لابد من الإشارة إلى أن خيارات واشنطن محدودة وهي لا تتجاوز في حدها الأقصى أربعة اتجاهات. الأول رفض الأمر الواقع والضغط الدولي باتجاه التصعيد العسكري بهدف كسر الحلقة من الخارج. الثاني الاعتراف بالأمر الواقع والتعامل بإيجابية مع الملف النووي مقابل محاصرة النفوذ الإيراني في العراق وغيره من مناطق في بلاد الشام. الثالث الإصرار على وقف التخصيب مقابل تقديم ضمانات دولية والاعتراف بالنفوذ الإيراني في العراق وبعض بلاد الشام. والاتجاه الرابع محاصرة الملف النووي ومحاربة النفوذ الإيراني ومنع تقدمه والحد من امتداداته الإقليمية من دون اللجوء إلى القوة العسكرية. والاتجاه الأخير طويل المدى لأنه يعتمد على دبلوماسية البوارج المعطوفة على تحريك المخاوف الإقليمية والمراهنة في النهاية على كسر الحلقة الإيرانية من الداخل.

هذه الخيارات الأميركية محكومة بالسقف الدولي. فالولايات المتحدة الآن لم تعد تنفرد بالقرار كما كان حالها في الظروف السابقة. فهي مضطرة إلى أخذ توازن المصالح في الاعتبار ولذلك لا تستطيع أن تتحرك من دون أن تتكيف مع مستجدات «الحرب الباردة الثانية» وما تطرحه من خلافات ومنافسات ومزاحمات.

قوة إضافية

المستجدات الدولية دخلت كقوة إضافية على سلوك التعامل الأميركي مع قضايا المنطقة. روسيا مثلا أخذت تضغط باتجاه توسيع نطاق عمليات «اللجنة الرباعية» واقترحت أن يشمل نشاطها سورية ولبنان إضافة إلى فلسطين. والفكرة الروسية تعني أن موسكو تريد الضغط باتجاه تسوية شاملة تربط المسألة الفلسطينية بإطارها العربي. وهذا الجديد ليس جديدا ولكنه يعطي إشارة إلى الولايات المتحدة تؤكد على أن فكرة التسويات الجزئية والمنفردة وصلت إلى طريق مسدود ولابد من فتح مشروع التسوية على آفاق واسعة.

المثال المذكور يعطي صورة عن المتغيرات الدولية التي أخذت ترتسم على ضفاف «الحرب الباردة الثانية». فروسيا التي انسحبت رسميا من المنطقة من تسعينات القرن الماضي بدأت تخطط لاستعادة دورها من خلال الباب الفلسطيني انطلاقا من توسيع دائرته لتشمل دول الجوار وتحديدا لبنان وسورية.

إلى الباب الفلسطيني تشكل بوابة طهران نافذة ثانية للعبور الروسي إلى العراق ودول الخليج العربية. فموسكو أيضا تضغط هناك لمنع تدهور الموقف وانزلاق المنطقة نحو مغامرة عسكرية ولذلك فهي تتجه نحو ترتيب علاقات إقليمية متوازنة تأخذ في الاعتبار مخاوف الدول وحاجتها إلى الاستقرار والتنمية.

هذه المتغيرات الدولية تلعب لمصلحة إيران إذا نجحت قيادة طهران في التعامل بإيجابية مع الملف النووي وتلك البنود التي يتضمنها القرار الدولي 1737. إلا أن المشكلة تبقى في كيفية تعاطي واشنطن مع تلك المتغيرات وما تستدعيه من تحالفات أو تنازلات إقليمية. وهذا الجانب غير واضح حتى الآن على رغم وجود إشارات أميركية في اتجاهات مختلفة. فالرئيس بوش مثلا استقبل في مكتبه في «البيت الأبيض» رئيس قائمة الائتلاف العراقي عبدالعزيز الحكيم وبحث معه شئون الاحتلال وشجونه ليعود بعدها الحكيم إلى طهران ويعقد مع قادة إيران سلسلة لقاءات سياسية. فهل الحكيم حمل رسالة أميركية أم أنه يتحرك باستقلال عن الطرفين؟ كذلك حصلت لقاءات رسمية عراقية مع الجانب الإيراني على خط موازٍ مع الجانب الأميركي. فهل تعتبر تلك اللقاءات محاولة للمزاوجة بين المصالح وترتيب سياسة تضمن نفوذ الطرفين أم هي مجرد مصادفات لا تحمل أي بعد سياسي؟

الصورة غامضة ولكنها أيضا لا تستطيع أن تخرج مهما تضخمت عن إطاراتها الأربعة. فأميركا في النهاية أمام مجموعة خيارات. فهي إما أن تعترف بمشروع التخصيب وتوافق على موقع إيران الإقليمي ودورها في العراق وصولا إلى لبنان وفلسطين (المشرق العربي). وهي إما أن تسكت عن البرنامج النووي وتقلص نفوذ طهران في بغداد وبيروت وغزة. وإما أن تحارب النفوذ السياسي والإقليمي والبرنامج النووي دبلوماسيا وتحاصر إيران وتعزلها ضمن دائرتها الجغرافية. وإما أن تضطر إلى اللجوء إلى الخيار الذي لم تعلن عنه رسميا حتى الآن.

كلاميا ترفض واشنطن خيار القوة العسكرية ولكنها ميدانيا تحشد القوات البرية والبحرية وترفع موازنتها الحربية. وكلاميا أيضا ترفض واشنطن خيار التفاوض السياسي ولكنها عمليا ترسل أو تستقبل تلك الأطراف العراقية التي تتعاون مع الاحتلال وتتحالف مع طهران في آن.

المسألة إذا غامضة وهي تتراوح في ارتفاعها وانخفاضها بين الحدين الأقصى والأدنى. وحتى تنجلي صورة الموقف لابد من مراقبة الاتجاهات الدولية الجديدة ومدى قدرتها على التأثير على موازين القوى الإقليمية مقابل مدى استعداد الولايات المتحدة على تحمل كلفة تعديل تلك الموازين بعد تجربة قاسية في العراق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً