البوابة خالية إلا مني، والضوء داخل الصالة يصافح العابر من أمام الباب، هيفاء الجشي غادرت القاعة قبل قليل، لجلب لوازم للمعرض غدا، أعمدة حديد ملقاة على الأرض عند المدخل، أخرى منتصبة أمام المدخل، صالة البارح في حال طوارئ، غدا الافتتاح لمعرض الفنان باسم منصور والفنانة fritizi Metzger، مازالت اللوحات تقيم على الأرض، وجيهان تحاول تنسيق آخر الأعمال المكتبية. جيهان، ما هذه الأعمدة هنا؟ هي لنصب الأعمال عليها، أتدري أن الجميل في هذا المعرض أنه سيحتمل أكثر من مجنون واحد، هذان الزوجان رائعان لدرجة غير معقولة، ثم تلقي بطرفها على الصور المقيمة على الأرض، والأخرى التي ترتاح على الجدار، جيهان أيضا مصابة بالفن، ولها أكثر أعراض وآثار هذا الجنون ضراوة، وهي أعمال فنية، لكن المعرض الآن عار إلا من جدران وأعمال متروكة، وأعمدة حديد مهيأة، تقول جيهان إن الفنانين سيعرضان بعض هذه اللوحات في السقف، نظرت للسقف لم أره، لأني ارتكبت خطأ بسيطا، وهو أني اعتقدت أن السماء نزلت من كبريائها، واضجعت الأرضية، كانت ألوان اللوحة التي تنام بالقرب مني سماء، والأشكال الموجودة فيها سماوات، فما أكثر السماوات في هذا المعرض.
الأعمال مختلفة من حيث الأحجام، بعضها يتميز بطوله، وأخرى دخلها الناس كسهو، فصاروا جزءا منها، وأخرى تتدلى على مدخل الصالة الثانية، لأناس أخذت ملامحهم إجازة عن شغل هذا المنصب، لكن هذا الفن الجميل يحتاج إلى فهم أو خلفية ثقافية لقراءته، وبقدر ما شغلني المعرض، كان هذا الأمر يطاردني، فعلا كيف سيتلقى الآخرون هذا المعرض؟ ألن يقولوا إنه لعب أطفال وتأثيرات على صور أماكن وأناس، ثم طبعت على ورق كبير، أم أنها القدرة على التقاط الجمالية من دون تأطيرها بشكل من أشكال التعبير، أو حصرها بمواد معينة، يمكنها قتل هذه الجمالية التي تحتاج هذه الطريقة بالذات للتعبير عن نفسها؟ هناك أكثر من سؤال قفز أمامي وأنا أتنقل بين اللوحات والأعمال، قبل يوم واحد من الافتتاح.
يوم الافتتاح: معرض سمك لا يعتذر وسجادة طائرة
لابد أن تصاب بعلب السردين، ماذا؟ أقول لك لابد أن تعبر بين علب السردين؟ ألهذا وضعت أمام المدخل؟ كان المدخل عبارة عن نصب من أعمدة معدنية، تتدلى منها أسلاك موصولة بعلب سردين، والداخل إلى المعرض تكون في استقباله علب سردين فارغة إلا من نفسها، صدقوني لم تكن تحمل رائحة السردين، كانت نظيفة وفارغة تماما، كانت تلقي برد فعلها على العابرين أيضا، وذلك بصوتها عندما تصطدم ببعضها، فإما تشعرك بأنها تقول: آسف، وإما تقول لك: ألا ترى؟
على الجانب الأيمن تجد حوض استحمام، يتدلى من فوقه سطل ماء، سطل ماء مصاب بحزن عميق، لذلك كانت دموعه تتساقط في الحوض، ومن الجهة اليسرى شاشة تعرض فيلما، لمدة عشرين دقيقة، وفوق الشاشة سبع صور لأسماك، يقوم الفنان في الفيلم بوصل الأسماك ببعضها، ثم يضعها بشكل لحية على وجهه، تجد أعمالا أخرى على الجدار، ربما كانت توحي بشكل السجاد، وهي عبارة عن صور مكررة، تم وضعها بطرق مختلفة ومرتبة، لتعطي وحدة في التكرار، وهي خليط بين حداثة متطرفة، وطبيعة تكمن في صور الأشخاص التي تسكن الأعمال، ويمكن فهمها على أنها محاولة رؤية الأشياء العادية بمنظور جمالي، وتحويلها إلى عمل فني، وهو ما حدث مع الصور العادية حين أصابها التكرار بشكل ما، وهو أيضا ما حدث مع علب السردين، حين تحولت من علب فارغة مرمية على الطريق، إلى عمل فني داخل المعرض، غير أن الأعمال على الجدار حملت الكثير من البساطة، إذ وضعت من دون إطار، وهو إمعان في تحويل العادي إلى فن، وتحريض على رؤية الأشياء بطريقة مختلفة.
إن الفلسفة التي تكمن وراء هذه الأعمال رائعة، والعمل على تحميل هذه الأعمال وجوها مختلفة من القراءات يكسبها تميزا، لكن بعيدا عن هذه القراءات التي ربما لا تخضع لقرائن تدل عليها، كان للعمل في حد ذاته جمالية خاصة، جمالية تصل إلى شريحة خاصة من الناس، الذين يمتلكون فهما جمالية مغايرا في تلقي الأعمال، قد يجهلون سبب جماليتها، لكنهم بالضرورة سيشعرون بها، أو سيشعر بها أكثرهم، وهنا رجعت إلى سؤالي عن فنية هذه الأعمال من منظور جمالي، بعيدا عن جمالية الفكرة التي وراء هذا العمل، وبعيدا عن الإسقاطات التي نسقطها على العمل، هل يمكن أن نشعر بجمالية هذا الفن؟ كنت متحيرا فسألت أحد الصبية فقال: «جميل ويمكن فهمه، لكن لا أعرف كيف أفسر ذلك».
العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ