العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ

قراءة في حركة اللباس العاشورائية وتجاذباتها المعاصرة

عاشوراء اللون والتكوين

يمثل اللون صلة تواصل بصرية كما هي الكلمات والأصوات، وما يميز الإنسان هو قدرته الكبيرة في «توظيف» المفردات المحيطة به للإعلان عن «هويته» و «انتمائه» وبعبارة أخرى «ما هو» و «من هو»، إذ تتحرك الأولى في إطار معرفة الذات وتتحرك الأخرى في دائرة «تعريف الآخر».

وفي هذه الدراسة المبسطة نستعرض حركة «لون» من نوع آخر، يدخل فيه «المقدس» في السياق العام للتفاعل مع ذلك اللون، ليكون مختبرنا «عاشوراء» و «العينة» التي نستكشفها «لون عاشوراء» لباسا وشعارا وإعلاما.

ردة فعل ورقة التين

«اللباس هو جلد ثانٍ ولغة بصرية نُظهره بطريقة مُبتكرة تعبيرا عن ذواتنا»

لم تكن ورقة التين أو التفاح التي ستر بها آدم وحواء سوءاتهما إلا رمزا أصيلا في الإنسان عبر حركته لتحقيق الذات ومعرفتها، ولم يكن «الستر» إلا لونا أصيلا لا يمكن الاستغناء عنه لإكمال وجود الإنسان في حركته المعرفية في هذا العالم، وكانت ردة الفعل السريعة كما تذكرها الآية الكريمة «وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة» (الأعراف: 22) جذب طبيعي للون أساسي في التكوين الإنساني ليعود لطبيعته المرتكزة على الروح والفكر عبر وعاء الجسد. وكأي مفردة تلامس هذا الكائن الحركي الذي لا يتوقف (الإنسان)، فقد كانت تلك الورقة (التين أو التفاح) مجرد بداية لتأخذ أبعادا جديدة ورموزا مختلفة أبعد وأكبر مما تحمله في تلك الورقة ذاتها من مجرد أداة «تستر» الجسد.

اللباس وتشكيل الهوية

ونتيجة ميل الإنسان للتعبير عن ذاته بالوسائل «المحكية» أي القابلة للظهور ولفت النظر للإعلان عن «الهوية» الخاصة به، كان «اللباس» إحداها كاللغة وصبغ الوجه وحركات الجسد الأخرى التعبيرية (الرقص والعبادة)، لتنتقل من مرحلة «الجلد والصوف» إلى «القماش والقطن» ومن ثم إلى «النايلون والخيوط الصناعية»، وتلك الرحلة الطويلة التي امتدت مع عمر الإنسان الأول إلى يومنا هذا صاغتها الفلسفات الكثيرة والاعتقادات التي رسمت للإنسان طرقا مختلفة للتعامل مع الذات والآخر، وكانت إحدى أهم اللغات المشتركة في ذلك التعامل هي «اللباس»، إذ يعبر عن الصورة الداخلية للإنسان، وما يريد إيصاله من رسائل إلى الآخر.

لقد شكل اللباس هوية الإنسان قديما وحديثا، إذ كان يشكل في إحدى صوره «الانتماء الجغرافي» و «الانتماء القبلي»، ومن ثم تحول إلى «هوية وطنية» لهذا البلد أو ذاك، لينتقل ويتعمق في ذات الإنسان حركة وفكرا وسلوكا واعتقادا، وبالتالي دخل في دائرة شديدة الخطورة (المقدس).

الألبسة الدينية ونزاع الهوية

وما الألبسة الدينية إلا تعبيرا عن «مطاطية» اللباس الذي يتحول من «ضرورة» لستر العورة والحماية من البرد والحر إلى «هوية» تكون جزءا لا يمكن فصله عن الجسد، ليتحول اللباس إلى جلد حقيقي آخر للإنسان يؤذيه إن «خدشته» أو «مزقته» لأنك تكون قد خدشت «هويته» و«معتقده» و «دينه».

ولا أدل على ذلك من الحرب الضروس على الحجاب الذي لا يفهم الكثير من عامة الناس في الغرب مكانته في «الهوية المسلمة»، إذ لا يشكل مجرد قطعة قماش فقط، كما لا يفهم الكثير من الغرب الاستهجان على ظهور امرأة بنصف ثيابها في المجتمعات المتحفظة سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو من أية ديانة تلتزم «العفة» في اللباس فيما تمثله العفة من صيغة أساسية للانتماء الديني والثقافي لتلك المجتمعات.

ويُذكر أن هزيمة اليابان الفعلية لم تكن بعد إسقاط القنبلة النووية على هيروشيما وناجازاكي، بل كانت بعد أن استبدل اليابانيون لباس «الكيمونو» التقليدي بالجينز والأقمصة، إذ بدأت تنتشر حينذاك القيم الغربية بعيدا عن الثقافة اليابانية الأصيلة. وفي هذا الشأن الكثير من الأمثلة، منها تركيا الحديثة كما يسمونها التي أُجبر الشعب التركي تحت حكم كمال الدين أتاتورك بنزع اللباس التقليدي فيها ولبس القبعات الغربية، ولم تنجح المحاولة ذاتها في إيران إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي نتيجة الاستماتة القوية لحفظ الهوية الإيرانية الإسلامية لا المستغربة.

المواسم الدينية واللباس

وتأخذ المواسم الدينية في الكثير من المجتعمات المعاصرة نصيب الأسد في تحريك «اللباس» كرسول للقيم الدينية والشعائرالمرتبطة بتلك المواسم، حالها حال المواسم المختلفة للكثير من المجتمعات عموما سواء ما ارتبط منها بالدين أو التراث أو حوادث معينة، إذ يتم فيها لبس ثياب معينة لها، ذلك الارتباط الذي يستحضر تلك المناسبة. وتشكل المواسم الدينية إحدى أهم وأبرز تلك الصور التي يظهر فيها اللباس كإعلان حركي مُمارس، إذ تُضفى عليها صفة «القداسة» لما لها من رمزية وعلاقة بالحادث التاريخي الزماني أو المكاني كموسم الحج على سبيل المثال.

* كاتب بحريني

العدد 1616 - الأربعاء 07 فبراير 2007م الموافق 19 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً