ثمة سباق محموم داخل الإدارة الأميركية بين خط «المواجهة» أو خط «الهدنة» مع إيران!
والمواجهة لا تعني هنا بالضرورة إعلان الحرب والشروع فيها ولا الهدنة تعني هنا بالضرورة إجراء صفقة مع طهرن و»التصالح» معها باتجاه التطبيع!
العارفون ببواطن وتعقيدات وتشابكات الملفات القديمة والمستحدثة «المنسية» منها أو «العالقة» بين طهران وواشنطن والمواجهات الساخنة والباردة القائمة بينهما في أكثر من ساحة وعلى أكثر من مستوى يؤكدون أن لا أحد في العاصمتين قادر على الحسم أو يريده الآن لأن الوقت ليس وقت الحسم بل وقت لعبة شد الحبال بانتظار نضوج فضاءات وأجواء وبيئات أفضل لحسم حال «المتاركة» التي تعيشها العاصمتان منذ مدة أما باتجاه الطلاق النهائي والمواجهة تاليا أو باتجاه إعادة إحياء «زواج» قديم ولكن من النوع «المؤقت» أو «الصيغة»!
لكن واشنطن مصممة على التحشيد الدبلوماسي والسياسي والإعلامي والأمني والنفسي ضد طهران لتحقيق هدفين رئيسيين الأول: ابتزاز «المعتدلين العرب» من خلال الإيحاء بأن الحرب قاب قوسين أو أدنى من الوقوع لانتزاع مواقف واتفاقات تعاون أمني وعسكري ثنائي بين هذه العواصم وواشنطن وجعلها جزءا من محيط نشاط حلف الأطلسي الذي يتوسع جنوبا منذ مدة بطريقة السلحفاة!
والثاني: الإيحاء للعراقيين من «حلفاء» إيران أو أصدقائها وللإيرانيين أيضا بأن إدارة بوش لم تخسر الحرب تماما في العراق وإنها هي مصممة على تحقيق «نصر ما» أي نصر وعلى أي مستوى من أجل تنظيم استراتيجية إعادة التموضع والانتشار في العراق في إطار قواعد عسكرية ثابتة والخروج من المدن الكبرى وترك مهمة قتل العراقيين وتحقيق الأمن والاستقرار و»تنظيم» العلاقة مع دول الجوار بيد حكومة بغداد مؤقتا ملتفتة بذلك إلى نصائح لجنة بيكر - هاميلتون ولكن إلى حين!
لقد بات من الواضح حتى للديمقراطيين المتشددين في خلافهم مع بوش بشأن استراتيجيته «الجديدة» للعراق أن الرجل مصمم على توريثهم ملف العراق و»مصائبه».
بالإضافة إلى ملف إيران النووي والعلاقات المتشعبة والمعقدة والملتبسة مع طهران أيضا.
ولما كانت طهران من جهتها أيضا لا هي بصدد استعجال الحسم في موضوع العلاقة فضلا عن التطبيع مع واشنطن، ولا هي قادرة لوحدها أو مستعجلة لحل ملف العراق الذي توسعت أبعاده وتداخلت قضاياه مع قضايا المنطقة الإقليمية والدولية فإنها (أي طهران) لن تكون في وضع مريح في السنة العتيدة، بل ستكون سنة «كباش» كما يقول أهلنا في بلاد الشام بينها وبين المجتمع الدولي عموما ومع واشنطن بشكل أكثر حدة، أي سنة عراك واشتباك سياسات ومشروعات وملفات على أكثر من صعيد! وعليه فإن واشنطن ومن معها سواء كان من خلفها أو من أمامها لم يبق أمامهم سوى حشد كل قواهم لتشويه صورة إيران في العالم العربي وإبرازها كدولة «منبوذة» ومن طينة أخرى عرقية ومذهبية!
ومن ثم تصوير العالم العربي وكأنه بيئة عاجزة مستسلمة لا قوة ولا حراك ولا مبادرة له سوى تلقي الضربات والهجومات ومشروعات «النفوذ» «الإمبراطوري» الإيراني المعادي لطموحات العرب في الصلح والسلام والتنمية وطبعا التطبيع مع «إسرائيل»، وانطلاقا من العراق إشغال الطرفين بمشروعات فتن مذهبية متنقلة بين الشيعة والسنة أساسا هدفها إظهار المنطقة كلها في حال فوضى واقتتال سببه مرة أخرى «طموحات وأطماع» إيران الإمبراطورية!
كل ذلك في الوقت الذي يمضي الوقت الكافي لتصفية القضية المركزية للعرب والمسلمين أي الصراع العربي الإسلامي - الصهيوني.
في ظل هذه الأوضاع السوداوية لعملية استشراف العام 2007 يصبح من اللازم والضروري والواجب الشرعي برأينا المتواضع أن يقوم العرب والمسلمون ببعض الخطوات الأساسية الآتية:
-1 فتح حوار مكاشفة جدي مع إيران عن جميع القضايا من دون استثناء مهما كان ثمن «التنازلات» المعنوية والأدبية! من أجل التوصل إلى «ميثاق تضامن وعدم اعتداء»، بحده الأدنى!
-2 إقدام إيران على مراجعة جدية وعميقة لسياساتها تجاه العراق وتقديم أي «تنازلات» مطلوبة من أجل رأب الصلح بينها وبين العرب وبين الشيعة والسنة من العراقيين وفك كل رموز الالتباسات أو الغموض الذي يحيط بسياستها في العراق!
-3 إقدام مصر وبكل شجاعة على تطبيع علاقاتها مع طهران وتعاون طهران معها أيا كان الثمن «غاليا»! وقيام العاصمتين بمساعٍ جبارة لإعادة اللحمة والتضامن والعمل المشترك بين الرياض ودمشق.
-4 إقدام العواصم الأربع على إيجاد صيغة توافقية مشرفة للشعب اللبناني وقواه وأطيافه المختلفة تبعد عنه شبح سيف الهيمنة الدولية المسلط عليه مقابل تنازلات «مؤلمة» تقدم عليها المعارضة والموالاة في إطار حكومة وحدة وطنية تؤلم العدو الإسرائيلي في الصميم!
-5 أن يعملوا جميعا من أجل إقناع الفلسطينيين للخروج من لعبة تجاذبات السلطة إلى دائرة وحدة الشعب والكفاح بشقيه المسلح والدبلوماسي مهما كانت التنازلات مؤلمة بين الفصائل!
من دون ذلك فإن مستقبل الأمة بأقطارها العربية والإسلامية سيكون أمام مشروع حروب المئة عام من الفتن المتنقلة التي يعد لها أعداؤها بكل الوسائل والطرق الممكنة بما فيها المؤامرات السرية فضلا عن العلنية منها التي لا نقرأها أو أننا نقرأها ولا نفهمها!
ولا يغرنكم المنبهرون بـ «بثقافة التسامح والتساهل» الاستعماري أو ثقافة الحوار «الاستلحاقي» غير المتكافئ والذين يصرون على نفي نظرية المؤامرة تماما ظنا منهم أن نفيهم لها كفيل بانعدامها، ناسين أو متناسين قول المناطقة: «عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود» هذا إذا كانت سرية ولم نسمع بها أو نتعرف عليها فكيف بها إذا غدت مرفوعة ومعلنة على رؤوس الأشهاد؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1615 - الثلثاء 06 فبراير 2007م الموافق 18 محرم 1428هـ