العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ

أهُم جندٌ من السماء أم مظلومون في الأرض؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في صبيحة التاسع من المحرم بدأت وكالات الأنباء والفضائيات تبث أخبارا متتالية عن اقتتال شديد يدور حول مدينة النجف بين الشرطة العراقية ومعها القوات الأميركية وبين جماعة قيل إنها تسمى «جند السماء».

جند السماء - بحسب التسمية العراقية - كانوا يخططون لقتل المراجع الشيعية في النجف الموجودين في هذه المدينة في الأيام العشرة الأولى من المحرم، وقد استطاعت القوات العراقية اكتشاف المخطط وإحباطه وقتل المئات من أنصاره وأسر مئات آخرين وجرح مثلهم. هذه هي الرواية الرسمية العراقية التي قيلت في بداية الحوادث، ولكن كانت هناك روايات أخرى ترددت على ألسنة بعض المسئولين العراقيين الكبار عن تلك المجموعة وسأذكر هذه الروايات وأعلق عليها مرجحا الرواية التي اعتقد قوتها وصحتها.

كانت الرواية التي ترددت بكثرة أن هذه الجماعة تدين بالولاء للسيد «أبي الحسن اليماني» وأن هذا السيد يدّعي أنه وصي المهدي وأن المهدي لن يخرج من غيبته إلا إذا قام وصيه أبوالحسن اليماني بقتل علماء الشيعة في النجف هذا العام. ومن أجل ذلك فقد أراد هذا السيد تنفيذ أوامر المهدي حرصا منه على سرعة ظهوره ولكنه لم يوفق لذلك بسبب ذكاء القوات العراقية وحليفتها الأميركية.

لم أستطع تصديق هذه الرواية لتفاهتها، صحيح أنها تتشابه مع رواية طيب الذكر بوش وجماعته المحافظين الذين يرون أن المسيح (عليه السلام) لم يخرج إلا إذا اجتمع اليهود كلهم في فلسطين وبالتالي سيخرج المسيح عيسى ليقتل اليهود والمسلمين ويظهر المسيحية في العالم كله.

لكن ربط خروج المهدي بقتل علماء الشيعة - وهم أنصاره كما يفترض - شيء لا يمكن تصديقه ولا أعتقد أن أبا الحسن اليماني يتبنى مثل هذه الأفكار ولا أعتقد أيضا أن أحدا سيصدق هذه الرواية التي لم يحسن العراقيون إخراجها بصورة مقبولة.

رواية أخرى أطلقها وزير الداخلية العراقي جواد البولاني الذي قال إن هذه المجموعة تنتمي لجماعة «القاعدة» الموجودة في العراق وإنها أرادت القيام بعمليات إرهابية كعادتها.

السيد البولاني إما أنه يجهل أبسط مبادئ «القاعدة» وإما أنه لا يقيم وزنا لعقول الناس بل أقول إنه لا يقيم وزنا لعقله.

هذه الرواية تعيدني مرة أخرى للسيد بوش الذي قال إن صدام حسين يتعاون مع «القاعدة» واتخذ من هذا الهراء واحدا من مبرراته لاحتلال العراق.

الجميع يعرف أن «القاعدة» لا يثق إلا بمن يدين بكامل أفكاره، والجميع يعرف أن «القاعدة» في العراق هدد ونفذ قتل السنة الذين تعاطفوا مع الحكومة العراقية فضلا عن الشيعة الذين وقفوا مع الحكومة بصورة كاملة. فهل يمكن تصديق أن أبا الحسن الشيعي - مهما كان تفكيره - يمكن أن يكون من «القاعدة»؟

مرة أخرى تظهر تفاهة هذا القول وعدم صدقه والمؤكد أن الذي قاله لم يفكر جيدا قبل التصريح به.

مستشار الأمن القومي موفق الربيعي سارع إلى اتهام السعوديين والمصريين والأفغان بأنهم المنفذون لهذه العملية وأنهم بطبيعة الحال ينتمون إلى «القاعدة» والذي يثير العجب في مثل هذا الاتهام أن أفراد المجموعة ليس بينهم أحد ينتمي إلى أي جنسية ممن ذكرها السيد الربيعي وكان هذا واضحا من بداية الحوادث ولست أدري كيف استساغ الربيعي إطلاق هذه التهمة وبهذه السرعة؟

الأعجب من هذا كله تضارب تصريحات كبار المسئولين العراقيين عن هذا الحادث مع ضخامته وكثرة المصابين فيه والواضح من هذا أنه لا تنسيق بينهم وبالتالي كان إخراجهم لتلك المسرحية سيئا للغاية.

الرواية التي قيلت عن هذا الحادث والتي مازالت متداولة أن الذين تم استهدافهم هم من الشيعة العرب ومن عشيرة «الحواتمة» وكانوا متجهين إلى النجف للمشاركة في مراسم العزاء يتقدمهم شيخهم وزوجته راكبين سيارة نظرا إلى كبر سنهم أما باقي المجموعة فكانوا راجلين.

سائق السيارة تقدم حتى وصل إلى نقطة التفتيش ويبدو أنه لم يكن يعرف أن الوصول إلى هذه النقطة من الممنوعات، ومع أن بقية المجموعة كانوا راجلين ومعهم ما يدل على هويتهم من الإعلام والكتابات وسواها إلا أن هذا كله لم يشفع لهم وجعل الشرطة تطلق النار عليهم بشدة ما جعل تلك المجموعة تبادلهم إطلاق النار دفاعا عن أنفسهم... الشرطة العراقية بادرت بالاتصال بالأميركان مدعية أن «القاعدة» هو الذي تهاجم وهنا بدأ التعاون بين الأميركان والعراقيين لإبادة كامل المجموعة في ظل تكتم الحكومة العراقية على هوية هذه المجموعة ومعرفتهم الكاملة بأنهم من العرب الشيعة لا علاقة لهم بالإرهاب وأنهم جاءوا كغيرهم للمشاركة في مراسم العزاء.

إن التناقضات في تصريحات المسئولين عن هوية الجماعة على رغم مضي عشرة أيام على بداية الحادث تؤكد رغبة الحكومة في استئصال هذه المجموعة ومحاولة تبرير هذه الفعلة، هذا التعبير الذي جاء هزيلا ومتناقضا.

فما ذنب الذين قتلوا بالمئات ومثلهم الذين جرحوا أو أسروا ومن المستفيد منه؟

بعض الذين نجوا من المذبحة أعلنوا عن هويتهم وانتماءاتهم المذهبية والقبلية وأظهروا أسماء مجموعة من القتلى بمن فيهم شيخ القبيلة وزوجته وسائقه وهذا كافٍ لتوضيح حقيقة ما حدث.

هذه القبيلة شيعية لكنها تعلن عداوتها للاحتلال وتعلن وقوفها ضد التدخل الإيراني في العراق كما تحرم على أتباعها الانضمام إلى جيش المهدي أو منظمة بدر لكونهما يمارسان قتل السنة، كما أنهم يعلنون عدم إساءتهم للصحابة عموما وكذلك تأييدهم لصدام حسين.

هذه المواصفات جعلت هذه القبيلة ومثلها «الخزاعلة» يقعون في دائرة القبائل أو الأشخاص المغضوب عليهم وممن يستحقون القتل الجماعي وفي أسرع وقت، فالحكومة الحالية فارسية الهوى بامتياز ووظيفتها تنفيذ الأجندة الأميركية في العراق، ولأن كلا الأجندتين لا يمكن تلاقيهما ولأن الحكومة هي الأقوى فكان - بحسب الواقع - لابد من إبادة تلك القبيلة واختراع أي مبرر للبدء في عملية الإبادة ويبدو أن الظرف المطلوب جاء في صبيحة اليوم التاسع من محرم وهذا ما جعل العملية تبدأ فعلا.

قد لا يعرف الكثيرون أن عددا من الإيرانيين يحتقرون العرب حتى وإن كانوا مثلهم في المذهب وأن السائح العربي يلحظ هذا الازدراء والتعالي عند زيارته لإيران.

لقد أكد لي أكثر من صديق شيعي أنهم لاحظوا هذه الظاهرة ومنذ وصولهم إلى إيران ولكنهم قالوا إنهم لا يحبون الحديث عن هذه الظاهرة لسوئها.

أورد هذه المسألة لأقول إنها ترجح ما ذهبت إليه من قتل أولئك العرب الشيعة عمدا للأسباب التي أشرت إليها بالإضافة إلى هذا السبب، وأوردتها أيضا لأقول للإخوة العرب من الشيعة أن ينتبهوا لأنفسهم وأن يكونوا لهم رابطة تحميهم وتطالب بمعاملتهم كغيرهم خصوصا في العراق وإيران.

المضحك في هذه المسألة قول بعض المسئولين العراقيين وبعض خطباء الجمعة في العراق إن الحكومة عادلة وغير طائفية بدليل قتلها للمئات من الشيعة الذين هاجموا النجف!

أقول: شر البلية ما يضحك، ورحمة بعقول الناس يا حكومة العراق...

وأخيرا أقول لكل العقلاء: هل الذين يعتزمون قتل الآخرين - بحسب رواية الحكومة - يأخذون معهم نساءهم وأطفالهم؟ من يصدق هذا؟

هؤلاء قتلوا ظلما، وعشرات الآخرين لايزالون محتجزين ظلما فهل هناك من يدفع الظلم عنهم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً