باتت ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة) حقيقة مرة في اقتصادنا الوطني. بدورنا نعتقد بأن عدة أسباب دولية تقف وراء مشكلة ارتفاع الأسعار (مثل تراجع سعر الدولار أمام بعض العملات الأخرى مثل اليورو). بالمقابل، هناك قصور فيما يخص أداء وزارة الصناعة والتجارة لمهماتها مثل الرقابة الفعلية على الأسعار.
تدني قيمة الدولار
يمكن القول إن عدة عوامل تفسر هذا الارتفاع غير الطبيعي لمستويات التضخم، بل إن غالبية هذه الأسباب عالمية، الأمر الذي يظهر مدى انكشاف الاقتصاد البحريني على التطورات الدولية (شكلت قيمة الواردات نحو 85 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعام 2005). فهناك مسألة التضخم المستورد بسبب ارتباط الدينار بالدولار الأميركي. المعروف أن الدولار بدأ بالتراجع في أعقاب جريمة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام 2001. يرتبط تراجع قيمة الدولار بخطوات اتخذها بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي بغرض جعل السلع والمنتجات الأميركية أكثر رواجا في الخارج، الأمر الذي يساعد في تنشيط الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ومن ثم توافر الفرص الوظيفية للمواطنين.
يشكل تدني قيمة الدولار مقابل بعض العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين خسارة عند استيراد السلع والمنتجات والخدمات من دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان، لكن لا ينطبق هذا الأمر على السلع المسعرة بالدولار أو من دول ترتبط عملاتها بالدولار مثل الصين. يعتقد بأن نحو ثلث الواردات القادمة إلى داخل البحرين هي من دول لا ترتبط عملتها بالدولار مثل السيارات والأجهزة الواردة من ألمانيا واليابان.
عوامل أخرى
فضلا عن مسألة الدولار، هناك مشكلة أخرى مرتبطة بتداعيات ارتفاع قيمة النفط الخام في الأسواق الدولية. والإشارة هنا إلى ارتفاع كلفة المصروفات التشغيلية لدى الدول المستوردة وبالتالي قيم السلع المنتجة والمصدرة. بمعنى آخر، يمكن القول إن ارتفاع أسعار النفط يشكل في جانب منه نقمة. وعليه، يعد ارتفاع أسعار النفط سلاحا ذا حدين، إذ يجب تحمل تداعيات ارتفاع كلفة التشغيل في الدول المصدرة للسلع والمنتجات والخدمات المرسلة إلى دولنا. المعروف أننا في البحرين نستورد أعظم ما نحتاجه في ظل غياب خطة وطنية واضحة المعالم للنهوض بالصناعة.
أيضا هناك أسباب أخرى توضح جانبا من ارتفاع الأسعار منها نمو الاقتصاد العالمي وخصوصا من قبل الصين. فقد تبين حديثا أن الناتج المحلي الإجمالي للصين حقق نموا بنسبة 10 في المئة في العام 2006. ما يهمنا هنا هو أن زيادة الطلب الصيني على بعض المنتجات الأولية والتي يتم استخدامها لاحقا في إنتاج سلع كاملة يؤدي إلى حدوث ارتفاع نسبي للأسعار. تفضل بعض الدول المصدرة للمنتجات الأولية التعامل مع الاقتصاد الصيني لكونه أحد أكثر اقتصادات العالم نموا بدل الاعتماد على اقتصادات صغيرة مبعثرة هنا وهناك.
كما لعبت بعض الأسباب الأخرى دورها، مثل: 1) ارتفاع كلف التأمين والشحن إلى المنطقة. 2) انخفاض درجات الحرارة بشكل نوعي. 3) تدهور الحال الأمنية في لبنان.
تصرفات وزارة الصناعة
إضافة إلى ذلك، لابد من توجيه بعض اللوم إلى وزارة الصناعة والتجارة على خلفية فشلها في معالجة تداعيات التضخم. ويبدو أن الوزارة المعنية لم تتنبه لمعضلة البطالة إلا بعد ظهور القضية في وسائل الإعلام، الأمر الذي كشف مدى ضعف جهاز الرقابة. والأهم من ذلك، فشلت الوزارة (على أقل إلى هذه اللحظة) في تقديم حلول ناجعة لمشكلة ارتفاع الأسعار. وبدا كأن الوزارة قررت قصر دورها على تقديم تفسيرات للمشكلة من دون العمل على حلها. وخير دليل على عدم وجود اهتمام كاف من قبل وزارة الصناعة والتجارة هو تحاشي الوزير (حسن فخرو) النزول إلى الأسواق وخصوصا السوق المركزي ليقف على حقيقة أسعار الخضراوات والفواكه.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1614 - الإثنين 05 فبراير 2007م الموافق 17 محرم 1428هـ