عندما حصلت تركيا على وضع مرشح رسمي لعضوية الاتحاد الأوروبي العام 1989 لم تفكر لا تركيا ولا الاتحاد الأوروبي أن الانتقال سيكون سهلا أو سريعا، وهو لم يكن كذلك. فمن 35 فصلا هي نقاط قياس للانضمام قررها الاتحاد الأوروبي، لم يُفتح منها سوى ثمانية، ولم يجرِ إتمام إلا واحد هو فصل العلوم والتكنولوجيا.
تتآكل العوائق أمام انضمام تركيا، وأيضا أمام ذوبان المعارضة الداخلية في الاتحاد الأوروبي لعضوية تركيا، على رغم أن ذلك يحصل بسرعة نهر جليدي متحرك.
يوفر تقرير أصدرته مؤخرا المائدة المستديرة للأعمال التركية تحليلا معمّقا حول تقدم تركيا نحو رعاية «ديمقراطية أكثر عمقا وهيكل اجتماعي أكثر استقرارا واقتصاد أكثر قوة». يضع التقرير الخطوط العريضة للإصلاحات التي يرغب أن يراها تتبلور في المجتمع التركي، بينما يوفر خريطة طريق للتقدم المستمر نحو الانضمام.
ويُبرز تقرير المائدة المستديرة النظام البرلماني والإدارة العامة وحقوق الإنسان والقضاء كنواحٍ أساسية للتركيز لتطوير نظام الدولة الديمقراطي بشكل إضافي. أما فيما يتعلق بالهيكل الاجتماعي فهناك تأكيد على التعليم وكفاءة سوق العمالة والمساواة في النوع الاجتماعي والتطور الإقليمي. وأخيرا يذكر التقرير أنه يمكن تقوية الاقتصاد من خلال النمو المستدام والإنتاج والمنافسة والإجراءات الاستثمارية وتهذيب الاقتصاد غير الرسمي والخصخصة.
وجرى مؤخرا تمجيد عملية إصلاح الأمن الاجتماعي التركي، وحققت الدولة خطوات عظيمة في إيجاد نظام حكومة إلكترونية كفوءة في مجالات الصحة وفوائد التقاعد والتعليم والخدمات القانونية والمواصلات والتجارة وجباية الضرائب. كما تجري إصلاحات في نظام الرعاية الصحية وإدارة التراث الثقافي والإجراءات الانتخابية.
وشهدت مجالات حقوق الإنسان، وهي قضية تهم أوروبا، تحسينات كذلك، على رغم أن التقرير يشير إلى أن «الممارسة تفشل أحيانا في اتباع التشريع»، الذي لم يجرِ بعد «استيعابه في القضاء والتنظيمات الإدارية».
أصبح هذا واضحا بعد الإعلان في 14 أكتوبر/ تشرين الأول عن وفاة ناشط يساري سياسي في الاعتقال بعد تعذيبه. وقد وعد وزير العدل التركي، الذي أمر بإجراء تحقيق شامل في الحادث، بإيقاع عقاب مناسب على 19 شخصا متورطا في العملية حسب سياسة تركيا بعدم القبول بأي شكل من أشكال التعذيب.
إلا أن الكثير مما كان يؤخر عملية انضمام تركيا إلى السوق الأوروبية، إضافة إلى بطء حركة الإصلاحات التركية، كان الإضعاف التدريجي للعلاقات العامة التركية الأوروبية.
فمن ناحية، تم إيقاف ثمانية من 35 فصلا في عملية المفاوضات العام 2006 عندما رفضت تركيا السماح باستخدام موانئها ومطاراتها من قِبل حركة النقل القبرصية اليونانية. وتبع ذلك فشل في الدقيقة الأخيرة لخطة أنان العام 2004 التي كان يمكن لها أن توجد جمهورية قبرصية موحدة برعاية الأمم المتحدة.
توفر الخطوات الحالية لمفاوضات السلام بين المجتمعين القبرصيين التركي واليوناني الكثير من الأمل لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. في 13 أكتوبر، اجتمع الطرفان في رابع جولة من المفاوضات، وتبدو احتمالات نتيجة إيجابية جيدة.
إلا أن العلاقات العامة التركية الأوروبية تدهورت في هذه الأثناء بسبب طروحات مضادة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي من قبل الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، وأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية. أعرب كلا الرئيسين الأوروبيين غالبا دعمهما لشيء يشبه «شراكة مميزة» لتركيا في الاتحاد الأوروبي، على رغم أن المعنى الدقيق لهذا الترتيب يبقى غير واضح. الواقع أن هذا الوضع يبدو مماثلا لوضع تركيا الحالي حيث أنها تستفيد حاليا من تجارة لا حدود لها مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاق بشأن اتحاد جمركي.
كذلك، كان اقتراح ساركوزي لاتحاد متوسطي للدول المجاورة للبحر الأبيض المتوسط تُترجم أصلا من قبل معظم الأتراك على أنها بديل للاتحاد الأوروبي لتجنب عضوية تركيا الكاملة في نهاية المطاف. أصبحت تركيا جزءا من هذه المنظمة عندما تم إنشاؤها في مارس/ آذار هذا العام، ولكن فقط بعد الحصول على تأكيدات كثيرة من الاتحاد الأوروبي أن العضوية لن تحل محل عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.
غضب الأتراك مرة أخرى عندما تم اقتراح إجراء في المجلس التشريعي الفرنسي كان يمكن أن يجعل من استفتاء وطني من قبل الجمهور الفرنسي إجباريا لكل دول الاتحاد الأوروبي المرشحة والتي يزيد عدد سكانها عن 5 في المئة من مجمل عدد سكان الاتحاد الأوروبي، وهي حركة كان يمكن أن تمنع عضوية تركيا. لحسن حظ تركيا فشل هذا الإجراء.
عند سماع طرح سلبي كهذا من أوروبا، يبدأ الأتراك بالشك في حسن نية القادة الأوروبيين ويصابون بالملل فيما يتعلق بعملية الانضمام، وقد بدأ بعض الأتراك حتى بقبول فكرة الإبقاء على ما يسمى بوضع الشراكة المميزة.
قد تأمل تركيا، مثل بورتوريكو، وهي منطقة أميركية، بالاستفادة من العلاقات التجارية ولكنها تبقى غير متصلة سياسيا ومستقلة.
إذا استمر الاتحاد الأوروبي باختراع ذرائع إضافية لإطالة أمد الانضمام، مثل «الوهن من التوسع» أو فكرة أن الاتحاد لا يستطيع استيعاب تركيا لأنها مازالت تتعامل مع نتائج الاستيعاب السريع لبعض دول أوروبا الشرقية، فقد يفقد الشعب الاهتمام بالانضمام إلى الاتحاد إلى الأبد، في نهاية المطاف.
لذا، إذا كان الاتحاد الأوروبي جادا بحق حول انضمام تركيا، يتوجب عليه أن يضمن أن تُسمع تلك الأصوات التي تعلن الدعم والتشجيع، مرتفعة واضحة.
* مساعد البحوث في المائدة المستديرة للأعمال التركية في واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ