أن يلتقي رئيس مجلس الأمن الروسي أيغور إيفانوف بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي في طهران يوم الاثنين الماضي يعني أن أمرا ما قد حدث أو قد يحدث بشأن الملف النووي الإيراني الذي بات مراوحا مكانه طيلة أربع سنوات من الكرّ والفر بين دبلوماسية السماء ودبلوماسية الأرض...
في السابق قال ممثل الولي الفقيه في مجلس الأمن القومي الإيراني الشيخ حسن روحاني إن المرشد هو من يُشرف على الملف النووي كاملا، وبعده النفي الذي جاء على لسان علي لاريجاني عن وجود صراع على الصلاحيات بينه وبين الرئيس أحمدي نجاد، كما نفى سفير إيران السابق لدى فرنسا صادق خرازي أن يكون البرنامج النووي قد سبّب شقاقا بين كبار القادة الإيرانيين. وخلال جلسة مجلس الوزراء الإيراني الخميس الماضي، قال أحمدي نجاد إن «السياسة العامة للبلاد يحددها المرشد الأعلى ومن واجب الحكومة تطبيقها» وفي خبر يبدو أنه صار في حكم المؤكّد شكّل المرشد الأعلى خليّة أزمة ضيقة تتبعه مباشرة لإدارة الملف النووي تضم الرئيسين السابقين للجمهورية الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني والسيد محمد روح الله خاتمي ورئيس البرلمان السابق حجة الإسلام الشيخ مهدي كروبي، إذا ووفقا لهذه المعطيات يكون اللقاء الذي جَمَع آية الله الخامنئي بإيفانوف رسالة من أعلى قيادة في الهرم السياسي تقضي بإعادة إنتاج السياسة الخارجية الإيرانية «النووية» في هذه المرحلة، وإيكال أمر حسمها إلى المرشد باعتباره المسئول الأول عن هذا الملف ومن ثم توزيعها بتراتبية تنفيذية مُحكمة على مراكز القوى المختلفة في النظام، وفي ذلك يُمكن تحيين هذه الخطوة مع ما يجري من حوادث مفصلية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، قد تشكّل إثرها أحد السيناريوهات الآتية بالنسبة الى الجمهورية الإسلامية:
(1) إن التوجّه الدولي اليوم يسير نحو مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن «التعليق المتزامن» بين تخصيب اليورانيوم والعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على طهران وفقا للقرار 1737 وهو اقتراح وعدت إيران بدراسته مع الاحتفاظ بالجدول الزمني لبناء محطة بوشهر، بنقل الوقود النووي إليها في مارس/ آذار المقبل وأن تبدأ العمل في سبتمبر/ أيلول المقبل، لربطها بشبكة الكهرباء المحلية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، وربما يأتي هذا التزييت في المواقف مع ما أعلنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني بقوله: «تلقينا رسالة من بعض المسئولين الأميركيين، وأن دراسة هذه الرسالة لم تصل إلى أي نتيجة، وإذا توصلنا إلى نتيجة فسنعلنها» من دون أن يذكر ما تضمنته الرسالة أو المستوى السياسي لقناة الاتصال الأميركية، وجاء هذا التطور متزامنا أيضا مع ما أعلنه أحد أعضاء مجلس الأمن القومي الإيراني من أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضعوا كاميرات مراقبة في محطة نطنز النووية، وقد تكون تلك الخطوات من جانب طهران قد جاءت مُحيّنة مع ما أعلنه المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدبّاغ في مؤتمر صحافي الخميس الماضي «بأن الحكومة العراقية قد تخيّر زمرة المنافقين بين العودة إلى إيران أو الانتقال إلى بلد آخر متهما إياها بالتدخل في الشأن العراقي » لذلك فإن الحديث يدور حول صفقة لم تظهر ملامحها بشكل واضح بعد يتم الإعداد لها بين طهران وواشنطن بوساطة روسية.
(2) بطبيعة الحال فإن الإيرانيين يُسيّرون شئونهم الخارجية من خلال سياسات متحدة المركز من العراق إلى لبنان إلى فلسطين إلى العلاقات التجارية إلخ، وبالتالي فإنهم ومن خلال تلك المتشابكات مُتيقنون من بطلان أي توجّه لضربة عسكرية أميركية ضدهم من دون التقليل من فرص تحققها شبه المعدومة، فإيران تقرأ المنطقة والعلاقات الدولية جيدا، وهي تلحظ اليوم تزايد التوتر ما بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بعد قيام الأخيرة بتطوير نظام الدفاع الصاروخي الوطني (MND) وهو ما اعتبره الرئيس بوتين انتهاكا لمعاهدة 1972 الباليستية بين البلدين، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا تتوقع من الولايات المتحدة تقديم تفسير لوجودها العسكري المتنامي في الشرق الأوسط! في إشارة إلى إرسال واشنطن حاملتي الطائرات إيزنهاور وجون سي. ستنيس إلى مياه الخليج بمعية آلاف الجنود خلال الأسابيع الأخيرة! ولم يتأخّر الروس كثيرا في ردٍّ على ذلك بتسليم طهران أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز «تور - ام أ» لحماية منشآتها النووية تحت الأرض من صواريخ (ب - 61 - 11) الأميركية، وتزويد دمشق بتقنية صاروخ باليستي من نوع سكود دي بمدى 700 كيلومتر يعمل باندفاع الوقود السائل لتكون جميع أراضي الكيان الصهيوني في مرماه، بل إن رئيس مجلس الأمن الروسي إيغور إيفانوف عندما سُئِلَ عن أمن الخليج قال: «إن روسيا تعتقد أنه ينبغي أن تشكّل دول المنطقة نظاما أمنيا مشتركا فيما بينها وأن تقدم الضمانات الأمنية اللازمة لها» في إشارة واضحة إلى الموقف الروسي من الوجود الأميركي في الخليج. كذلك يعي الإيرانيون حاجة الأميركيين الى تطويع الموقف الروسي إن رغِبَت واشنطن في القيام بضربة معلومة الأهداف لمحطاتها النووية، بالإضافة إلى تأمين أجواء وأراضي الكيان الصهيوني وأيضا الوجود العسكري الأميركي في العراق من ضربة إيرانية انتقامية (سبعين في المئة من سكان الكيان الصهيوني يتمركزون في مجال المدى القاتل لسلاح نووي استراتيجي) مع ضرورة احتلال مضيق هرمز الذي من خلاله يمر 40 في المئة من النفط العالمي! لذلك فإن كلّ شيء قد وصل حذاء الجدار بالنسبة الى الأميركيين، فشل في العراق، تراجع صهيوني في لبنان بعد حرب تمّوز، خسارة الجمهوريين وتقدّم الديمقراطيين، وخسارة الحلفاء في أوروبا (إيطاليا وإسبانيا) فوز متلاحق لليسار في أميركا اللاتينية، بل الأكثر من ذلك فشل الرئيس بوش في الضغط على حلفائه الأوروبيين لتصفية استثماراتهم في إيران وهذا ما قاله وكيل وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز تحديدا: «إنه يتعين على الحكومات الأوروبية أن تقلص اعتمادات الصادرات التي تقدر بمليارات اليوروات والتي تتيحها للتجارة مع إيران»، وقد علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية جان بابتيست ماتي على ذلك بالقول: «إن الإجراءات العقابية التي اقترحتها أميركا تستند إلى القانون الأميركي وليس إلى قرارات لمجلس الأمن الدولي، وأنها بذلك ليست لها أية فاعلية في أوروبا»! بل الأكثر من ذلك هو ما أثاره موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك والذي نقلته عنه كل من «الهيرالد تريبيون» و «نيويورك تايمز» ومجلة «لونوفيل اوبسرفاتور» عندما قال: «إن ما هو خطر في هذا الموقف (الإيراني) ليس في حقيقة امتلاك قنبلة نووية؛ امتلاك قنبلة وربما قنبلة ثانية في وقت لاحق، هذا الأمر ليس خطرا للغاية» وهو موقف لافت أن يصدر من أهم دولة أوروبية بعد بريطانيا، وحتى عندما سُئِلت الخارجية الفرنسية عن زيارة السفير جان كلود كوسرانن لطهران أكّدت أن الموعد مازال مضروبا وقائما، لذلك وأمام كل تلك المعطيات والحوادث فإن طهران قد تتشجّع أكثر وتمضي قُدما في برنامجها النووي بوتيرة أسرع من السابق وفي طليعتها الثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي، أو إنتاج خمسة وعشرين كيلوغراما من اليورانيوم العالي التخصيب، وتخزين مئات الأطنان من هكزافلورور اليورانيوم (يو إف 6) وهي خطوات يُتوقّع أن يتم الإعلان عنها في احتفالات عشرة الفجر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ