غريب تماما أن تتحرك خطب الجمعة، وكتب البغض الطائفي، والحقد المذهبي، والأصوات المزعجة والممزقة لجسد الأمة في ظل صمت مطبق من الدول العربية والإسلامية، وسكوت يكشف عن تقاعس غير مبرر في مثل هذه الظروف الحرجة، بل الأغرب من ذلك أن يتحرك الإعلام العربي والإسلامي وهو مشحون على الشيعة ومتهم إياهم بالصفوية والساسانية والانتماء والولاء للجمهورية الإسلامية في إيران.
الوجودات الشيعية في بقاع مختلفة من الخليج والعالم العربي تشعر برعب وخوف وتسأل الله أن تنجلي هذه السكرة عن المنطقة، لتعود المياه إلى مجاريها، ولكنها تتساءل: أين حكوماتها المسئولة عن توفير الأمن النفسي لها؟ ولماذا تتركهم في أجواء القلق يضربون أخماسا في أسداس؟
حين علا الصوت النشاز ليتهم الشيعة بأنهم أينما كانوا لا يوالون إلا إيران، وأنهم ليس لهم ولاء لحكوماتهم، تخاذلت الدول التي تضم في مكوناتها وجودا شيعيا فلم تنبرِ للرد، إما لأنها رضيت عمّا قيل وإما لأنها لم ترَ أن شيعتها يستحقون موقفا أكثر ما يقال عنه إنه واجب على هذه الحكومات والدول لإشعار مواطنيها بكرامتهم وبوطنيتهم.
واليوم حين بدأت الأقلام الداخلية تتبارى في العدائية والكراهية للشيعة ضمن إعلام لا يصفه مجنون بأنه حر ومستقل، بل هو موجه ومملوك لدولنا العربية والإسلامية، لم ترَ هذه الدول الإسلامية ضرورة لوقف التحريض عن الشيعة ووصفهم بالخيانة، والتشويه المتعمد لتاريخهم ولمواقفهم.
لقد عادت إلى الواجهة أجواء الحقد التي شهدناها سابقا، مدفوعة بالسكوت والتشجيع والظلم لهؤلاء الشيعة الذين يجب عليهم أيضا أن يكتبوا ويخطبوا ويركعوا ويسجدوا لإثبات وطنيتهم، التي سرعان ما تباع في أسواق النخاسين وتصادر أمام وبعد كل حدث سياسي أو أمني في أية بقعة من بقاع العالم يشم فيها وجود للشيعة.
هراء ليس بعده هراء وتجاهل يقبح فعله - تحت أي مبرر - يسمح من جديد لكتب الفتنة التي هاجت وماجت في الثمانينات بأن تعود من جديد، وتوزع أمام الأعين من دون حياء أو احترام لمشاعر المواطنين في دولهم أيا كان هؤلاء المواطنون.
الحكومات الإسلامية التي تسهر على أمنها مسئولة عن الوضع برمته وعن أمننا النفسي والجسدي، وعن تمزق المجتمعات التي تحكمها، وتعرف بدقة مجاميع القوى المتحركة فيها. إننا لم نسمع إلى الآن عن أي وجود شيعي في وطننا العربي والإسلامي قد حمل الراية ضد حكومته وقادته، ولكننا ننام ونصحوا على أفلام مفبركة من التهم والتهجم علينا، ونحن بلا غطاء أو حماية من دولنا، يحميان كرامتنا ومعتقداتنا ويوقفان التحريض المستمر ضدنا.
أود الإشارة هنا إلى أمرين عاجلين أخالهما مهمين لحماية البلاد والعباد من توجهات المتشنجين وعبث المخدوعين:
أولا: إيقاف الشحن الطائفي ضد التشيع كمعتقد، وإذا كان هناك خوف من انتشار التشيع أو ما يسمى التبشير الشيعي، فمناطقنا بمكوناتها عاقلة عن ممارسة هذا النوع من التبشير، فضلا عن كونها غير متمكنة منه، والتبشير الشيعي الذي يشار أحيانا إلى بروزه في بعض الدول البعيدة عنا، لابد من مواجهته هناك بعيدا عنا؛ لأننا تعبنا وسئمنا أن تكون ساحتنا ومصالحنا هي حلبة الصراع الدائمة لتصفية الحسابات.
فإذا كان الخصماء والمبشرون هناك فعلى بركة الله لتكن مواجهتم حيث هم، وليس بين أزقتنا وفي عقر دورنا، إذ لا مبشر بيننا حتى توزع كتب التحريض والشحن على مذهب الشيعة وعلى معتقداتهم، ولا يوجد عطاء مالي لهذا أو ذاك ليغير معتقده - كما يقال - كي تؤجج نيران الكذب والافتراء علينا نحن.
ثانيا: إيقاف الشحن السياسي ضد الوجودات الشيعية التي لا يكشف تاريخها إلا عن السلم والتعايش والتسليم لولاة أمرها، وبعبارة صريحة إذا كان المواطنون الشيعة في لبنان والعراق يعيشون صراعا سياسيا في بلدانهم، فمن غير السليم وغير المنطقي وغير العدل أن يُحرض على الشيعة في مناطق أخرى ليُمعن في حرمانهم السياسي ويُزاد في عزلتهم وفي تهميشهم.
وأختم بالقول إن الإعلام في دولنا مملوك لحكوماتنا ونحن نناشد هذه الحكومات أننا في خشية مما يدور في الإعلام العربي والإسلامي، ونأمل منها أن تتحمل مسئوليتها فالبوصلة واتجاهاتها التي تبدو منفلتة لا تبشر بخير. إننا نخاف من التهويل الحاصل والتسعير المستمر والمتصاعد في أوطاننا، ونخشى أن يفوت الوقت على كبح هذه التوجهات المريبة في بلادنا، ومسئوليتكم أيها الحكام هي في حكمتكم وفي يقظتكم وفي شعوركم بالمسئولية التي لا يُزايد فيها أحد عليكم.
أتوجه هنا بالشكر الخالص للكتاب الذين انتقدوا الوضع الشيعي سياسيا، وأشاروا إلى أخطائه في مختلف أطواره وتكتيكاته ومراحله واستراتيجياته سواءٌ في العراق أو لبنان أو أية منطقة من مناطق العالم، ولكنهم تمسكوا بالإنصاف والعدل والحكمة، ومارسوا النقد ضمن دائرة الإشكال ومنطقته، وكل ما أتمناه أن يتحدثوا عنهم باعتبارهم مواطنين في بلدانهم وليسوا شيعة في تلك البلدان.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ