يبدو ان البشرية مقبلة على مرحلة سوداوية تهدد بانتشار الجوع على مستوى العالم. والحديث هنا يتجاوز الحدود الطبقية الضيقة على المستوى الوطني، لتشمل مجتمعات برمتها ودولا بكاملها.
فمنذ عشرة أعوام، اتفق زعماء 185 دولة شاركت في قمة الأغذية العالمية في روما على وصف الجوع في العالم بأنه «غير مقبول ولا يجوز السماح به»، والتزموا بخفض عدد الأهالي الذين يعانون من سوء التغذية (815 مليون شخص) إلى النصف بحلول العام 2015.
لكن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تفيد بأن عدد الجائعين في العالم يزداد حاليا بمعدل أربعة ملايين في السنة. ويشمل الجوع المزمن نحو 852 مليون شخصا، منهم 206 ملايين من افريقيا جنوبي الصحراء.
وفى منطقة الساحل وحدها (السنغال، موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فآسو) يتعرض 300 ألف طفل دون الخمسة أعوام من العمر إلى الموت نتيجة سوء لسوء التغذية، كل سنة.
وفى العام 2005، شهد العالم أيضا أخبار المجاعة والفقر المتفشيين في النيجر، وأعزى ذلك إلى أزمة غذاء وغزو الجراد والجفاف. لكن الأمر لم يمكن يتعلق بحالة منعزلة في تاريخ النيجر. فثمة مئات الآلاف من الأطفال الذين هم في أشد الحاجة إلى المعونة الغذائية، كل عام، في هذا البلد الأفريقي إذ يأتي معدل الوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة في المرتبة الثانية في العالم أجمع. وعالجت منظمة الأطباء بدون حدود نحو 60 ألف حالة سوء تغذية بين الأطفال ضمن برنامج الطوارئ لهذا العام.
وتشير دراسة جديدة أعدها معهد أوكلاند بعنوان «الساحل: أسير المجاعة؟» إلى تبعات سياسات التنمية المشجعة على التحرر الاقتصادي والتخصص والزراعة التجارية وانسحاب الدولة من تنظيم الأسواق، وكلها توهن قدرة الأمم على تغذية أهاليها.
ويشمل أي التزام دولي باستئصال الجوع تغييرات سياسية متعددة، منها:
أولا، أن يصبح مزارعو البقاء على الحياة، وهم 75 في المئة من فقراء العالم، محور اهتمام سياسية تنمية تدعم الحكومات الوطنية في الترويج لاستهلاك وإنتاج المحاصيل القومية لصغار المزارعين، بدلا من تشجيعها للبلدان الفقيرة على التخصص في المحاصيل النقدية أو التجارية المخصصة للأسواق الغربية. وتشير دراسة المعهد إلى أن 78 في المئة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، يعيشون في بلدان مصدرة للأغذية.
ثانيا، تحتاج مكافحة الجوع إلى تحول بالابتعاد عن أيديولوجية حرية الأسواق التي تحكمت في سياسات التنمية في الثلاثة عقود الأخيرة. فلم تنجح أي دولة صناعية في تنمية زراعتها دون حواجز حمائية، في حين حرمت البلدان النامية من مثل هذه الحماية.
ثالثا، ثمة حاجة إلى المزيد - لا الأقل - من التنمية الريفية. فبالفعل، نجحت سياسة مساعدة البلدان على تنمية قطاعاتها الزراعية في زيادة قدرتها على تغذية أعداد أكبر من الأهالي بل وخفض تبعيتها على برامج المساعدة على المدى الطويل.
والواقع أن المعونة الخارجية لإفريقيا قد انخفضت بنسبة 40 في المئة على مدى التسعينات وتبلغ الآن 12 مليار دولار في السنة. ويذكر أن القوات المتحالفة حشدت 70 مليار دولار في مجرد أسابيع في خدمة الحرب في العراق.
كما أن الولايات المتحدة وحدها أنفقت ما يزيد على 360 مليار دولار في العراق، علما بأن الموازنة السنوية لبلد كالنيجر تقتصر على مجرد 320 مليار دولار.
ليس هناك مجال للشك في أهمية بل وصحة ما جاء في كلمة شواب أمام منتدى دافوس، لكن الحديث عن حلول إستراتيجية ذات أفق عالمي تفقد جدواها ما لم تنطلق أساسا من وضع حلول جذرية لما يعانيه كل مجتمع على حدة. وأكثر من ذلك هناك سلم للأولويات لايمكن، بل ومن الخطأ الجسيم القفز على درجاته. وأول عتبات ذلك السلم هي تأمين الأكل والمأوى قبل أي شيء آخر لمن يحتاجه. فهناك صعوبة، إن لم يكن استحالة، في مخاطبة أي إنسان عن أي أمر يسبق تامين المأوى والعيش لذلك الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ