تستطيع الدولة - أي دولة - أن تُصعد من ترف مصطلحاتها في توصيف فضائحها الكبرى، إلا أنها بذلك لا تجد حلا لمشكلاتها المؤجلة. نستطيع أيضا ان نطلق على أي واجب من واجبات الدولة كبناء مشفى أو افتتاح جسر أو مدرسة بأنه تدشين للتنمية والرقي بالدولة والمواطنين وصولا لإعلاننا أننا وصلنا القمة. لكننا أيضا لا نزيد بذلك «الكذب» من قوة الدولة واستقرارها.
30 ألفا من البحرينيين يدعمون بمساعدات خيرية، ولدى وزيرة الشئون الاجتماعية فاطمة البلوشي بيانات أكثر دقة. ولدى الصناديق الخيرية أسرار من بيوت لا يجد ساكنوها إلا خيار الموت وجعا وحزنا. أما المتعففون فلهم ستر الليل وعطايا الأيدي الفاضلة تمسكهم عن بكاء «المذلة» على جانب دولة تسير في زيادة أعداد فقراءها يوما بعد يوم. كلما زادت أسعار نفطها زاد المتربصون بالفقراء طعنا وذلا.
وعوض أن نفكر اليوم - بترف تعودناه نحن أيضا كمراقبين - في الحديث عن دولة الاقتصاديات المفتوحة والتنمية الاقتصادية المعتمدة على السوق الحرة المفتوحة أجد أن الحديث عن «بنك الفقراء» على النموذج «البنغالي» أكثر واقعية وصدقا. ذلك أن الصدق مع النفس هو أولى طرق الإصلاح الحقيقي.
أخيرا، وصلت بنا الخطط التنموية الجبارة إلى خيار أن نفكر في تأسيس «بنك الفقراء». ماذا؟ هل نرفض ذلك، أو نتكبر على أن نقر بأننا بلد «فقراء» أصلا؟. أتت زيارة مؤسس تجربة بنك الفقراء البنغالي محمد يونس للبحرين في وقتها تماما، فلم يكن أهل البحرين فقراء كما هم اليوم.
نحتاج مصرفا للفقراء فيقولون بنكا لدعم «الأسر المنتجة». سمو الأشياء بأسمائها. مواطنون لا يملكون أرضا ولا بيتا ولا عملا ولا أموالا تنزل عليهم من السماء فجأة. أهؤلاء أسر «منتجة». أم أنهم فقراء يحتاجون من الدولة أن تؤدي أهم واجباتها لهم، وهي أن يعيشوا عيشة كريمة لا ذل فيها ولا منّة على ما يأخذونه من حقوقهم التي يمسكها الطامع والمتآمر.
أدر عينيك على بيوت الفقراء وسلهم: ماذا أعطتكم ناطحات السحاب في المنامة والجفير؟ وهل كفت عنكم بؤس الجوع مشروعات ومنتجعات البحار المتراصة هنا وهناك؟. وهل سكنتم بيوت المشروعات الإسكانية الخاصة المُسعرة بمليون ومليونين. ولا تتذرع بدولة «الاقتصاد المفتوح» التي سيأتي خيرها غدا. خذوا خيرها لكم. وأعطوا الفقير لقمة عيشه حتى لا يموت. إن الفقر سيد لا يرحم.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ