« ارتفاع ضغط الدم» هو أحد الأمراض المزمنة التي تعاني منها نسبة كبيرة جدا من البحرينيين بحسب الأطباء، هي إلى جانب تشكيلة متنوعة من الأمراض التي تأتي عادة « بالجملة»، ومنها السكري والكولسترول وغيرها. ولهذه الأمراض أسبابها المتنوعة طبعا، والتي يعرفها كل من الأطباء والمرضى جيدا، ولسنا هنا في معرض التوعية الصحية بأسباب هذه الأمراض، لكنني أردت فقط أن أضيف إلى تلك الأسباب «العلمية» سببا آخر ربما يؤخذ بعين الاعتبار يوما في دراسة طبية ما، وهو «القيادة في شوارع البحرين»!
ليس هناك ما يدعو إلى العجب، إذ أصبحت شوارع البحرين، بكل ما تحويه من أعمال حفر هنا، وتحويل هناك، وإشارات تتغير كل مرة، ودوارات تلغى وتوضع مكانها إشارات مرور لا يعرف السائق أيها يقود يميناَ وأيها يقود يسارا فعلا، المسبب الأول للإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم والسكري والكولسترول وكل أمراض الدنيا للسائق المسكين الذي يحكم عليه قدره أن يمر في شارع أو طريق شملته حملة « التحفير» ، وما أكثرها.
أصبحنا بفضل التحفير الذي لا ينتهي، ولا نعرف له بداية من نهاية، نحتاج ساعة إضافية أو يزيد كلما أردنا الخروج إلى موقع ما، اعتدنا في السابق أن نذهب إليه في عشر دقائق مثلا.
نعرف أن كل هذا العمل من أجل تحديث الشوارع، ونقدر ذلك بالفعل لإدارة الطرق الموقرة، التي دأبت أن تضع عبارة « نعمل من أجلكم» في كل زاوية وكأنها تريد بها أن تحثنا بطريقة « لبقة» على الصبر، ونحن على استعداد للتزود بصبر أيوب إن اقتضى الأمر حتى تنتهي المشكلة من جذورها. لكن المشكلة لا تنتهي، بل من الواضح أنها تتعقد أكثر وأكثر، حتى بدأنا نفقد الثقة في كل تغيير و «تحديث» في الطرق والشوارع. فالجسور لم تحل مشكلة الازدحام، بل زادتها، وإلغاء الدوارات وتحويلها إلى إشارات مرورية لم يحل مشكلة الازدحام أيضا، وإنما نقلتها إلى موقع آخر، بل انها زادت من المشكلة، إذ فتحت طرقا واسعة، لا يعرف يمينها من يسارها، أمام السواق غير المعتادين عليها. والنتيجة... مزيد من الحوادث، ومزيد من ارتفاع ضغط الدم.
ربما لا نستغرب وجود الازدحام فهي مشكلة عالمية، تعاني منها معظم المدن الكبرى في العالم، والتي ابتكرت كل منها حلولا لمواجهتها تتلاءم مع مناخاتها وطبائع سكانها، والأهم...موازنتها. غير أن وجود هذه المشكلة، وتفاقمها بهذه الحدة، في بلد بحجم البحرين، أمر يدعو للعجب. إذ ان السيطرة على مشكلة من هذا النوع في مساحة بحجم جزيرة البحرين، لا يبدو أمرا مستحيلا، إلا إذا كان هناك تخبط وسوء تخطيط. فقد كانت الدوارات يوما ما، حلا ووسيلة لتنظيم الشوارع، واليوم صارت إزالتها ضرورة، حتى لو اقتضى الأمر سنوات من العمل والتحفير الذي لا ينتهي حتى يبدأ من جديد ، وحتى لو عطلت مصالح الناس، وارتفع « ضغطهم»، وكرهوا الساعة التي قرروا فيها الخروج من المنزل وسلوك طريق ما.
لن نستغرب إذا لم تحل هذه المشكلة سريعا، إن اشتكت وزارة الصحة بعد فترة من اضطرارها لمضاعفة شحنات الأدوية التي تستوردها لمرضى ضغط الدم، في بلد حتى الشوارع فيه « ترفع الضغط».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ