العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ

ارحلي... أيتها الأساطيل!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

أصبحت الأساطيل البحرية بشكل عام والأميركية منها بشكل خاص نذير شؤم وطالع هم وغم وكوارث في أي مكان تصل إليه، وقد كان نصيبنا نحن عرب الخليج من هذه الأساطيل البغيضة والقاتلة الكثير من العناء والدمار، فلقد كان وجودها في الخليج العربي أو بحر العرب أو البحر الأحمر مقدمة لحروب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في كل مرة تأتي بدون دعوة أو ترحيب.

لقد انتهكت هذه الأساطيل حرمة مياهنا الإقليمية في مطلع الثمانينات فكانت حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) ثم انتهكت مياهنا في مطلع التسعينات فكانت حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) ثم انتهكتها مرة ثالثة فكانت حرب الخليج الثالثة (حرب تحرير العراق) في نهاية التسعينات لكن هذه الأساطيل أصبحت ضيفا ثقيل الظل لا تفارق مياهنا الإقليمية أبدا؟.

وها هي الأساطيل البحرية اليوم، تكثف وجودها في الخليج العربي مرة أخرى بحجة حمايتنا من التهديدات النووية الإيرانية، برغم أننا ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير/ شباط العام 1979 لم نشهد أي نوازع عدوانية، ولم تبادر إيران إلى الاعتداء على أي من دولنا التي لا تبعد عنها سوى أميال بحرية قليلة، وبرغم أن إيران تؤكد صباح مساء حرصها على حسن الجوار وعلاقات متميزة معنا.

اليوم يتم التهديد بضرب إيران بسبب الشك في أن لها نوايا عدوانية ضد (إسرائيل) وذلك نظرا لإصرار إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية لإغراض سلمية، لكننا نحن عرب الخليج بالتحديد مطالبون بدفع فاتورة الحرب للمرة الرابعة على التوالي... وهذه المرة لندخل الطمأنينة على قلوب الإسرائيليين، ربما باعتبارهم شركاءنا في الغرام الأميركي؟.

والغريب أن هناك من يطبل ويحذر من وجود أطماع إيرانية شريرة ونوايا عدوانية شرسة تبديها إيران تجاه دول الخليج العربية من خلال برنامجها النووي السلمي، ولا يكتفي هذا البعض بالتحذير من عواقب تمكن إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية ، لكنه يبادر إلى وضع المنطقة كلها على صندوق البارود أو حقل الألغام والاقتتال المذهبي، فيقدم صحيفة اتهام مذهبية بغيضة ضد إيران الإسلامية التي سعت خلال الأعوام الماضية إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص على رغم كل الأذى الذي لقيته من بعض الدول أبان حرب الأعوام الثمانية.

واللافت أن هذا البعض قد ترك كل الخطط المعلنة من قبل الأميركان وحلفائهم الصهاينة في ضرب الإنجازات الإيرانية في المجال النووي، وبدأ في التحذير من مخطط إيراني مزعوم لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي والتوازن الطائفي والمذهبي في المنطقة وهكذا وجدنا بعض الأقلام الصحفية المليئة بالحقد الطائفي الدفين قد تفننت في نفث أحبارها الكريهة اللون والرائحة لتتحدث عن المد الصفوي الإيراني في دول الخليج ، مقدمة صك اتهام لكل شيعة الخليج الذين أصبحوا متهمين في انتمائهم وفي عروبتهم ودينهم، حتى أمسى الأمر وكأن كل شيعي خليجي متهم حتى تثبت إدانته؟.

وهنا لا بد من القول إن أبناء الخليج العربي ومختلف أبناء الدول العربية يعرفون تمام المعرفة، أن اهتمام إيران الإسلامية بالتقرب لنا نحن العرب وسعيها الدائم لتعزيز علاقاتها معنا يفوق آلاف المرات ذلك السعي الذي كان يبذله نظام الشاه نشاه البائد الذي أقام علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني وأمده بكل أسباب العون والمساعدة من أجل إحكام سيطرته على أراضينا ومقدساتنا في فلسطين.

نعم هناك تهديد نووي خطير موجه ضد الأمة العربية، لكنه يأتي من الكيان الصهيوني الغاصب للقدس الشريف، ويأتي من هذه الأساطيل الحربية وحاملات الطائرات العاملة بالوقود النووي التي تجوب مياهنا من دون رقيب أو حسيب، وتنتهك خصوصيتنا وتتدخل في علاقاتنا الداخلية وتسعى لإشعال فتيل الفتنة المذهبية بيننا، ومن دون شك فإن هناك محاولات حثيثة تبذلها أطراف في الإدارة الأميركية لنقل وتعميم نموذج الاقتتال المذهبي في العراق إلى مختلف الدول العربية.

ولنا في ما يحدث على الأراضي اللبنانية خير دليل على ذلك، فبعد أن فشل الهجوم الإسرائيلي في ضرب الوحدة اللبنانية وقتل جذوة المقاومة الإسلامية الأصيلة المتمثلة في حزب الله اللبناني، وإشعال الفتنة الطائفية، ها هي المحاولات البائسة المشبوهة تضع كل ثقلها من أجل زعزعة الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي من خلال العمل على زرع بذور الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة وبين المسيحيين وبعضهم وبين الدروز وبعضهم.

هنا في الخليج العربي وفي البحرين بشكل خاص تصبح مقولة (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) أمرا واقعا، فلقد تعايش أهل هذه المنطقة طيلة عقود من الزمن وتزاوجوا وتشاركوا في كل شيء تقريبا، ولم تفرق بينهم سنوات القحط والجوع أو سنوات النعمة والفوائض المالية ، لكن هذه الفوائض زادت من أطماع الطامعين في ثروات هذه المنطقة، فأقبلوا يزفون أساطيلهم وأسلحتهم بشتى أنواع الفنون حتى تقع الفتنة فينفرط عقد هذه الأمة التي يقول عنها الله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» (آل عمران:110).

لكننا اليوم أمام ظاهرة جديدة تنقلب فيها الأمور رأسا على عقب، يصبح المعروف فيها منكرا والمنكر معروفا ، لذا نجد أن أحدا لم يستنكر إقدام الولايات المتحدة الأميركية على حشد قطعها وأساطيلها البحرية من فرقاطات حربية وحاملات طائرات في مياهنا العربية، ولم نستنكر التصريحات الصهيونية التي تهدد بشكل علني بضرب المعامل النووية الإيرانية، تماما كما ضربت مفاعل تموز العراقي لكي تحافظ على تفوقها التكنولوجي والعسكري على كل دول المنطقة مجتمعة.

ولم نكتف بالسكوت والتوجس بل رحنا نصب الزيت على النار، ونغذيها بالحطب والوقود حتى تشتعل حربا ضروسا ندفع نحن عرب الخليج ثمنها باهظا كما فعلنا في كل مرة يستغفلنا فيها الأمريكان الذين درسوا المنطقة جيدا فوجدوا أن العرب لم يسكتوا طيلة العقود الثلاثة الأولى بعد تأسيس الكيان الغاصب للقدس الشريف وفلسطين السليبة في 15 مايو/ أيار 1948، وهكذا قامت الحروب التي سعت لاستعادة الحقوق العربية والإسلامية بمعدل حرب واحدة كل عقد على الأقل، فكان لزاما على المخططين الاستراتيجيين أن يشغلوا المنطقة بحروب بديلة.

وهكذا كان فبعد أن تم تفريغ النصر العربي الذي تحقق في أكتوبر/ تشرين الأول 1973 من مضمونه الاستراتيجي، وجهت البندقية العربية إلى الداخل أو إلى الجار العربي المسلم الذي أصبح مؤشرا على إمكان تغيير موازين القوى لصالح العرب ضد «إسرائيل» الدولة اللقيطة. إنها صرخة احتجاج، واستغاثة نوجهها لكل من يعنيهم الأمر، لا تضعوا بيضكم في السلة الأميركية، لأن هذه السلة مخترقة ومخرومة، وهناك من يسرب هذا البيض إلى ليفقس في صالح الدولة الصهيونية، لا تتوهموا بأنكم ستحمون مصالحكم الضيقة إذا أرضيتم السيد الأميركي، لأن هذا السيد لن يرضى عنكم أبدا، فهو يريدنا دائما في اقتتال وحروب وفتن، لذا فإن كل الأقلام الموتورة مطالبة بالعودة إلى الهدوء والرزانة والاتزان والكتابة بما يرضي الرحمن ويبعد بلادنا عن التوترات والاحتقان. ولعل من المفيد هنا التذكير بالكلمات التي كتبها الشاعر العربي الكبير مظفر النواب .

«يا حفاة العرب... يا حفاة العجم... الأساطيل... إيه الأساطيل لا ترهبوها... قفوا عراة، كما قد ولدتم... وسدوا المنافذ في وجهها والأرصفة... فالأساطيل والقمع شيء يكمل شيئا... كما يتنامى الفساد على عملة تالفة...» وليس لنا إلا أن نختم بالقول ارحلي أيتها الأساطيل واتركينا نعيش بسلام...

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً