منذ ما يزيد على الثلاث سنوات والحديث عن الفتنة في الواقع الإسلامي يتصاعد... ويتصاعد معه تحذير القيادات السياسية من سلوك طرقها الوعرة التي لن تكون نتائجها بأقل من الفشل وذهاب الريح...
ومنذ ذلك الوقت، ونحن نشهد زحفا مستمرا نحو التاريخ، إذ يقبل الباحثون والكتّاب والعلماء على الكتب المختلفة لينبشوا منها الوقائع والحيثيات التي أثارت الخلافات أو ليستعينوا بالتجارب الوحدوية ويبحثوا عن القواسم المشتركة هنا وهناك، ليستدلوا من خلالها على أن ما يتفق عليه المسلمون من السنة والشيعة هو أكبر بكثير مما يختلفون عليه.
في الواقع، ان عمق الأشياء ليس هنا، وإن الفتنة عندما تتحرك من خلال استحضار مفردات التاريخ فهي تأخذ مادتها السياسية الخام من المناخ السياسي والاجتماعي السائد ومن المعطيات الحاضرة التي ينبغي ألاّ نغفل عنها، بل أن نركز عليها لنتمكن - من خلال هذا التركيز وما يستتبعه من حركة - أن نئد الفتنة من خلال محاصرة العوامل والظروف:
أولا: الاحتلال... والاحتلال الأميركي على خصوصا، والذي أراد الإيحاء منذ غزو العراق بأنه يقف مع فئة من المسلمين ضد الأخرى، مستفيدا من الواقع المأسوي الذي صنعه النظام العراقي السابق، وبدأ الإعلام الأميركي منذ ذلك الوقت يتحدث عن عودة الحكم في العراق إلى الفئة التي خسرت السلطة قبل ألف وثلاثمئة سنة ونيّف... وعندما أرهق المحتل ووجد أن غالبية الشعب العراقي لا تريده وأن مشروعه في المنطقة بدأ يتداعى بدأ بالحديث عن حرب أهلية قادمة، وها هو يوسّع بيكار توقعاته فيتحدث عن إمكان حدوث حرب إقليمية بين السنة والشيعة.
إن هذه الحقيقة ينبغي أن تدفعنا إلى أن نتحرك على مختلف الصعد لمواجهة خطة الاحتلال هذه، سواء من خلال فضح أهدافه وكشف خططه في تشجيع القتلة من المجرمين والتكفيريين، أو في توفير الأجواء الملائمة لهم وصولا إلى الحديث بالفم الملآن، ومن خلال المرجعيات الإسلامية والسنية والشيعية، عن حرمة سفك دماء المسلمين من الفريقين.
كما أن ذلك يستدعي وقفة شجاعة من الفريقين يصار من خلالها إلى الدعوة إلى توحيد البندقية ضد الاحتلال وإلى فضح ومعاقبة الذين أرادوا لهذه البندقية أن تفتك بأهلهم وإخوتهم...
إن التركيز على الاحتلال كونه المحرّك الأساسي للفتنة يستدعي الوقوف مع كل حركات المقاومة الشريفة من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى أفغانستان... وصولا إلى صوغ الموقف السياسي الإسلامي العام من خلال الإصرار على هذه النقطة المركزية التي تحظى بتأييد كل الشرفاء والأحرار في العالم الإسلامي...
ثانيا: لا يخفى على أحد أن العوامل المساعدة في ظهور الفتنة هو أننا لم نتربَ إسلاميا وأن حساباتنا غالبا ما تنطلق من النظر إلى ما يكسبه المذهب لا من العمل لكي تكون المحصلّة الإيجابية هي فيما يكسبه الإسلام... وهنا لابد من التشديد على العلماء، قبل غيرهم، أن يركزوا على مسألة الانتماء للإسلام وعلى الشخصية الإسلامية التي ينبغي أن تكون هي الأصل لتكون الشخصية المذهبية هي الفرع...
ثالثا: إن علينا الانتباه إلى أن واقعنا يعيش تحت وطأة الشائعات التي باتت سبيلا من سبل التأسيس للتقاتل والفتنة بالحديث عن سعي هذا المذهب للسيطرة على المنطقة أو عن صوغ كيانه الخاص على حساب كيان الأمة العام، ونحن نريد لكل العلماء الذين يثيرون الحديث عن انتشار هذا المذهب أو ذاك في هذه المنطقة أو تلك أن يدققوا فيما ينقل إليهم من كلمات لأن المسألة تدخل في إطار من التهويل ولا تمثل ظاهرة.
إننا نستمع إلى أحاديث عن تمدد شيعي هنا وسني هناك، وليس هناك من يتحدث عن تمدد أميركي في بر المنطقة وبحرها وجوها ولا عن تمدد إسرائيلي استخباري في العراق والخليج وحتى في بعض غرف النوم العربية الرسمية...
إنهم يتحدثون عن جبهة الاعتدال فلماذا لا نتحدث عن جبهة الإسلام؟ ويتحدثون عن تدمير الإسلام ويضعون الخطط لذلك كما وضعوا الخطط لتدمير الشيوعية... فلماذا لا نضع الخطط المشتركة لتدمير الاحتلال... إن الوضع صعب ولكن الفرصة مؤاتية لقيام الحلف الإسلامي ضد الحلف الاستكباري وفي ذلك الخير كل الخير للأمة والحرب على أعدائها وعلى العاملين للفتنة في كل مكان.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ