بادئ ذي بدء، نؤكد أننا لسنا من شريحة العبثين الذين يطرحون مبادرات السلام مع «إسرائيل»، ليتستروا على هزالهم وضعفهم وانهزامهم، وعدم لياقتهم ليكونوا في المقدمة، ويتصدروا كبريات الحوادث العالمية التي من شأنها أن تؤثر سلبا، أو إيجابا على شعوبهم، في مسيرة الصراعات التاريخية، بين أن يخلقوا شعبا يمسك بالعلوم والتكنولوجيا، ويساير المسيرة التاريخية في الرقي وفي المنعة والمواجهة، ويثبت وجوده كشعب فاعل في مواجهة متطلبات الحياة، واستمرار البقاء، والتطور إلى الأفضل، والعمل الصادق والالتزام بقول الله جلت قدرته وتعالى شأنه: «يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان» (الرحمن: 33). ولعل الأميركان، وإلى حد ما آخرين قد أدركوا معنى السلطان في المعنى الإلهي وليس مجرد سلطان في الاسم البشري؟.
وفي مسيرة توسعنا في الطرح بغية الوصول إلى هدفنا الأسمى... وفي ظل واقعنا العربي المتردي، تقفز شريحة الغربان وأبوخصاف في واجهة المجتمع ليقودا المسيرة، لقد هزلت...
إن شريحة الغربان ونسلهم من أبي خصاف ينطبق عليهم تمام الانطباق قول موشي ديان، الذي قاد حرب الأيام الستة وسجل أكبر هزيمة بجيوش العالم العربي، عندما سأله أحدهم عن تصريحاته عن خططه، لعدم محاذرته أن يأخذ بها العدو ويستغلها ضده وبها يهزمه، فقال: «إذا كنت تعني بالعدو العرب، فالعرب أمة لا تقرأ، وإن قرأت لا تفهم، وإن فهمت لا تستفيد، وإن استفادت لا تطبق»، على أننا نؤكد أن هذا القول لا ينطبق على الشعوب بقدر ما ينطبق على الحكومات والحكام، لأن الشعوب ترى في بعض الحكومات، مجتمعات لها مكوناتها ولها علاقاتها التي ليس لها أي ارتباط بالشعوب، إلا ارتباط الحيوانات المفترسة بضحاياها. فتلك الحكومات المتخلفة لا ترى، وإن رأت لا تستفيد من تصريح مناحيم بيغن بأنه كان يريد أن يمدد محادثات السلام مع الفلسطينيين لمدة عشر سنوات.
ماذا يعني يا حكام، إن لم يعنِ أن السلام مع (إسرائيل) «غاية لم ولن تدرك»، وأن السلام مع «إسرائيل» حال تتنافر وتتقاطع مع الأسس التي أنشأت بريطانيا في ظلها «إسرائيل»، واحتضان أميركا لـ «إسرائيل» عندما وجدت هذه الأميركا تطابقا في الأهداف والغايات تنسجم مع الرؤية البريطانية، وأنه من خلال هذا الانسجام رأى بلير أن يضع بريطانيا والشعب البريطاني لعبة في يد بوش.
اللعبة في يد اليمين المسيحي المتشدد، الذي يطمح إلى بسط نفوذه على عموم العالم، وعليه يتأكد المثل الشعبي «يا خادم الخدم أبشر بالندم». غير أن ما يهمنا الوقوف عنده وتأكيده، في إطار محاولاتنا، إخراج حكام العالم من أوهامهم بشأن تحقيق سلام مع «إسرائيل»، هو أن السلام مع «إسرائيل» غاية لم تدرك. لأن السلام بالنسبة إلى «إسرائيل» وبالنسبة إلى المصالح الإمبريالية، يشكل حال اختيار بين الموت والتلاشي، وبين الحياة والاستمرارية، ومن يا ترى يختار الموت في ظل ضمان الحياة مثل «إسرائيل» المضمونة حياتها واستمرارها مع كل ما تثيره من عربدة وعدم استقرار تدفع به حكام عالمنا العربي للارتماء في أحضان أميركا، وإنهم بوعي أو من دون وعي يطبقون حال: «المستجير من الرمضاء بالنار»، لأن حكام العالم العربي لا يستفيدون من أكثر من نصف قرن من مواعيد الأميركان بالسلام، وبمشروعات السلام الكاذبة!
ولما أن حال «المستجير من الرمضاء بالنار»، تعني بلادة الحس والغباء والتخلف، وهي مؤشرات تؤدي إلى تخلي الشعب في النهاية عن حكامه، واحتقار الشعب لهذا النوع من الحكام...
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 1610 - الخميس 01 فبراير 2007م الموافق 13 محرم 1428هـ