العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ

«تحرير المرأة» لدى الغرب... شعار من دون تطبيق

كانت ولاتزال قضية حقوق المرأة، تُثار في دول الغرب قبل دول المشرق العربي، ويتخذ مثيروها من مطلب «تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل» شعارا لها.

وسارع العلمانيون والمتغربون عندنا في نقل هذا الشعار إلى عالمنا الإسلامي، غير أن هذا الشعار لم يعد قادرا على أن يغوي المرأة المسلمة عن دينها وعفافها وعن دورها الإنساني الحيوي في الأسرة والمجتمع، بعد أن تكشفت دوافعه الماكرة وظهرت آثاره ونتائجه المدمرة على حياة المرأة وعلاقات الأسرة في الغرب، بل وعلى الحياة الاجتماعية برمتها فيه.

ففي ظل شعار التحرير سُحقت إنسانية المرأة في الغرب، وعُطّل وعُرقل دورها الإنساني الطبيعي في تقديم رسالتها المقدسة في تشييد دعائم الأسرة متكاملة ومتضامنة مع الرجل، وحرمت من التمتع بحقها في كفالة الرجل لها وإنفاقه عليها حينما أجبرت باسم التحرر والمساواة مع الرجل، على الخروج من المنزل ودفع بها إلى المصانع والمكاتب لتكدح يومها كله من أجل الحصول على لقمة العيش، واستدرجت، باسم الفن والمدنية الحديثة، إلى مواطن الرذيلة والفساد الخلقي، واتخذت أسواق الرأسمالية الجديدة التي لا تعرف معنى للعفة والشرف من جسدها فتنة جنسية تروّج بها سلعها وبضائعها التجارية، فهل يريد دعاة التحرير للمرأة المسلمة أن تتحرر على هذا النحو، ويؤول أمرها إلى هذا المصير؟

ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الكرامة الإنسانية، وفي التكليف والمسئولية، وفي الحقوق المادية والمعنوية، فنظر إليها باعتبارها أحد زوجين يمثلان النوع الإنساني لا يفضل أحدهما الآخر إلا بالتقوى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات 13)، وساوى بينهما في التكاليف والواجبات وأناط بهما مسئولية تقويم المجتمع وإصلاحه، وهو ما يعرف في الإسلام بـ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله» (التوبة 71).

وجعل الإسلام من المرأة أحد ركنين يقوم عليهما معا بناء الأسرة التي هي اللبنة الأولى في صرح المجتمع، وعلى ديمومة هذه الأسرة تتوقف ديمومة الحياة البشرية وتنشئة أجيالها المتعاقبة، مقيما العلاقة بينها وبين ركن الأسرة الآخر (الرجل) على أساس الزواج في إطار حميمي تجلّله السكينة، وتشيع فيه المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» (الروم 21).

وفي مجال الحقوق ساوى الإسلام بين المرأة والرجل على جميع الصّعد فقال تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة» (البقرة 228).

ويشير هذا النص المحكم إلى مبدأ التكافؤ والتوازن بين الحقوق والالتزامات الثابتة لكل منهما في ذمة الآخر، فحق للمرأة على الرجل أن يحميها ويجاهد دونها، وأن ينفق عليها ويلبي حاجاتها ومتطلباتها المادية في جميع حالاتها وأطوار حياتها: بنتا وزوجا وأمّا؛ مراعيا في جميع ذلك قدرة الرجل ولياقته البدنية والنفسية أكثر من المرأة على مقارعة العدوان وصد الأخطار، وعلى معالجة قوى الطبيعة واستخراج مكنوناتها وخيراتها اللازمة لمعيشته.

أما الدرجة المذكورة في الآية السابقة فهي ليست تشريفا وامتيازا للرجل كما أسيء فهمها، بل هي في حقيقتها كفالة ورعاية للمرأة ومسئولية عن إدارة الأسرة، وهي ما سمّاه القرآن الكريم في آية أخرى بـ (القوامة): «الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» (النساء 34).

وحقٌ للمرأة على الرجل أيضا أن يرفق بها ويحسن معاشرتها معنويا وجنسيا فيحيطها بمودته ورحمته، ويمتعها بنفسه كما تمتعه هي بنفسها.

أما الرجل فحقٌ له على المرأة أن تحمل وتلد الأبناء وتقوم على تربيتهم ورعايتهم لما جبلت عليه فطرتها العضوية والنفسية من استعداد للقيام بهذا الدور، وأن تحفظه في نفسها وماله، وتطيعه بالمعروف، وتحسن معاشرته كما يحسن هو معاشرتها.

هذه هي الملامح العامة لصورة الوضع الإنساني والحقوقي للمرأة في الإسلام على صعيد التشريع: تساوي بينها وبين الرجل في الكرامة الإنسانية، وتكافؤ في الحقوق، وتشارك في الأعباء، وتكامل في الوظائف والأدوار.

وإذا كان بعض ملامح هذه الصورة يعتريه شيء من الغبش أو الاهتزاز على صعيد الواقع والتطبيق، فذلك لا يختص بأوضاع المرأة فقط، وإنما يشمل الأوضاع الاجتماعية كلها بما في ذلك أوضاع الرجل نفسه.

إن أساس مشكلة المرأة المسلمة والرجل المسلم مع أوضاعهما الاجتماعية واحد، وهو ابتعادهما عن نهج الإسلام، وتفريطهما بأحكامه، ولا أمل بإصلاح هذه الأوضاع إلا بالعودة إليه والاستقامة على نهجه.

أبو سيد سجاد

العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً