العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ

تركيا بين قبعة الغرب وسجاد الشرق

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

في أول رد فعل على انتخاب تركيا عضوا غير دائم في مجلس الأمن للعامين المقبلين 2009/ 2010 قال السفير التركي في مملكة البحرين خلدون عثمان إن انتخاب تركيا سيفيد كل دول المنطقة والعالم.

وبغض النظر إن كان كلام عثمان يدخل في باب المجاملات ردّا على تهاني الانتخاب أو أن كلامه يصب في استراتيجية بلاده، فإن تركيا تلعب الآن دورا محوريا إيجابيا لاستقرار الدول المحيطة والقريبة منها، ولاسيما الدول العربية والإسلامية على الرغم من أن انتخابها في مجلس الأمن كان من ضمن حصة القارة الأوروبية.

الحديث عن مستقبل تركيا لا يمكن أن يتم بعيدا عن تاريخها الحافل بين قارتين كبيرتين الأولى تمثل جزءا كبيرا من الشرق (آسيا)، والأخرى تمثل منبع الغرب (أوروبا)، حيث مازالت تركيا تحمل إرثها معها عند الحديث عن علاقاتها بالدول الإسلامية والعربية.

تحتفل تركيا اليوم بالذكرى الخامسة والثمانين لإعلان الجمهورية على أنقاض السلطنة العثمانية، حيث كان هذا الإعلان جزءا من خمس مراحل انتهجها مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك لنقل تركيا من الخلافة الإسلامية إلى الدولة العلمانية ذات الطابع الغربي.

وطبقا لأدبيات هذه الجمهورية فإن أتاتورك شرع بتغييرات كبيرة داخل المجتمع التركي من بينها التغيير السياسي الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على إلغاء السلطنة (1922)، إعلان الجمهورية (1923)، إلغاء الخلافة (1924)، بالإضافة إلى التغييرات الاجتماعية والحقوقية والتعليمية - الثقافية، وأخيرا الاقتصادية.

كانت هذه التغييرات الجذرية داخل المجتمع التركي تواجه استياء تركيّا وإسلاميّا باعتبارها حوّلت طبيعة المجتمع من إسلامي إلى علماني، لكن في الوقت نفسه كانت هناك نخبة عربية وإسلامية تنظر بعين الإعجاب إلى ثورة التغييرات التركية.

وبعيدا عن طرفي الرفض والإعجاب، كانت تركيا تحاول طوال السنين التي أعقبت التغييرات التي أطلقها أتاتورك داخل المجتمع التركي إلى التمازج مع طبيعة المجتمع الغربي أكثر من البقاء ضمن منظومة الدول الإسلامية، فكانت تنجح في جانب وتخفق في جوانب أخرى، حتى وصلت الأمور عند بعض الأتراك الذين رأوا صعوبة في الاندماج والسير ضمن المنهج الأتاتوركي أن يرفع شعار: «لا صديق للأتراك غير الأتراك»! إلى أن بدأ نَفَس هذا المجتمع يأخذ طابعا خاصا به ومنهجا يبدو فريدا، يستند فيه إلى التعايش تحت قبّعة الغرب، والسير فوق سجاد الشرق. بمعنى آخر، إن تركيا عرفت كيف تسير باتجاهين متوازيين أحدهما ضمن المنظومة الغربية ويعود الفضل في ذلك إلى الأحزاب العلمانية، وآخر متأخر كان يسير ضمن المنظومة الإسلامية والفضل فيه يعود إلى الأحزاب الإسلامية وبعض الأحزاب القومية.

ضمن هذين المسارين صارت لتركيا هوية خاصة يفتخر بها السياسيون. ففي مقابلة أجرتها «الوسط» مؤخرا يرفض مستشار الرئيس التركي أرشاد هورموزلو أن يحدد هوية تركيا ضمن منظومة الهويات الايديولوجية في العالم، ويرى أن «هوية تركيا هي تركيا»، وهو يبرهن على حقيقة هذا الشعار من خلال أن تركيا جزء من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي أيضا قطعت شوطا طويلا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بالمقابل يستحضر قوة تركيا داخل منظومة المؤتمر الإسلامي، ودورها الواضح بين الدول العربية وعضويتها بصفة مراقب في جامعة الدول العربية، وهما هويتان غربية وشرقية قد لا تشترك بهما دولة أخرى غير تركيا.

لا نريد الوقوف بمسافات مختلفة عن الأحزاب السياسية في تركيا، لكن واقع الحال قد يؤكد ما قاله مستشار الرئيس التركي، لكن أيضا يجب أن نعترف ويعترف السياسيون الأتراك أن تركيا لم تكن قريبة إلى العرب والمسلمين مثلما هي الآن في فترة حكم حزب العدالة والتنمية، فهي تسعى إلى استقرار المنطقة والحفاظ على أمنها، وخصوصا بعد أن صارت تركيا مشتركا عربيا وإسلاميا وغربيا نزيها استطاعت خلال فترة قريبة جمع العديد من المتناقضات، ومع ذلك يبقى السؤال الذي قد لا نجد له إجابة:

هل يمكن أن تستمر تركيا بنهجها الحالي المتقارب من الشرق والغرب بعد تغير حزب العدالة والتنمية الحاكم، أم إن سياسييها الآخرين عرفوا أن هذا هو النهج الأمثل لنجاح تركيا والحفاظ على مكانتها الإقليمية والدولية؟

من المؤكد ستكون تركيا في مجلس الأمن مصدر قوة للجميع؛ فالشرقيون يرون فيها حصتهم، مثلما يرى الغرب أنها إحدى الدول القريبة منهم، حينها فقط سنعرف أين تقف تركيا من الكل.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً