اتصالات دولية وإقليمية وعربية وثلاثية وثنائية حصلت في الأسبوع الماضي. فهناك كلام عن اتصالات أميركية - إيرانية حركتها رسالة وجهتها إلى طهران قوى محسوبة على الإدارة. وهناك اتصالات روسية - إيرانية مباشرة قام بها وزير الخارجية الروسي خلال زيارة علنية لطهران التقى فيها الهيئات العليا وأصحاب القرار. وهناك اتصالات سعودية - إيرانية بدأت بزيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني أعقبتها زيارة أخرى قام بها مسئول سعودي مكلف من خادم الحرمين الشريفين. وهناك اتصال هاتفي مباشر جرى بين الرئيسين المصري والسوري للمرة الأولى منذ وقف العدوان على لبنان. وهناك اتصالات مستمرة سورية - إيرانية بشأن ملفات المنطقة وتحديدا العراق وفلسطين ولبنان. وهناك اتصالات عراقية - سورية وسورية - عراقية تمثلت في زيارات متبادلة بين دمشق وبغداد أسفرت عن إعادة العلاقات الدبلوماسية وتحسين الثقة بين الطرفين. وهناك اتصالات إيرانية - عراقية وعراقية - إيرانية تمثلت في تبادل الزيارات وتوقيع اتفاقات مالية وتجارية ووعد بالمشاركة في إعادة الاعمار. وهناك أيضا اتصالات ووساطات سعودية - فلسطينية، ومصرية - فلسطينية، وسورية - فلسطينية تحاول احتواء التوتر وتوقف الفوضى الأمنية والاقتتال السياسي بين فتح وحماس. وأيضا هناك اتصالات لبنانية - مصرية، ولبنانية - سعودية، ولبنانية - قطرية، وسورية - قطرية وغيرها من الاتصالات الدولية والإقليمية للبحث في اتخاذ إجراءات تمنع انزلاق بلاد الأرز إلى حرب داخلية تكون حكومة إيهود أولمرت هي الطرف المستفيد منها.
اتصالات وهواتف ورسائل وزيارات متبادلة وكلها تحصل في الوقت الضائع وقبل فوات الأوان... وحتى الآن لا تبدو الأمور أنها متجهة نحو الاستقرار بسبب عجز القوى عن اكتشاف آليات واقعية ومتوازنة تضبط الأزمات وتضعها على سكة الحل.
الملف النووي الإيراني يكتنفه الغموض ولايزال يراوح بين التفاهم على حل يرضي الجميع وبين انكسار حلقة الحوار ودخول المنطقة مرحلة أعلى من التصعيد. والملف العراقي ضائع بين موقف أميركي يستعد للمواجهة وبين مواقف إقليمية تسودها سحابة غير واضحة المعالم في وجهتها. والملف اللبناني يتراوح بين ليلة عنف دموي وليلة هادئة، ولكنها غير مستقرة. والملف الفلسطيني دخل خط التوتر العالي ولاتزال المخاوف تخيم على الجميع على رغم قبول الأطراف المتخاصمة دعوة خادم الحرمين إلى التفاوض في مكة المكرمة. وأيضا ملف السودان يخطو باتجاهات متفرقة بين التدويل والافرقة أو التمزق الأهلي. كذلك ملف الصومال الذي أدخل دول القرن الإفريقي في متاهات التمزق السياسي ودهاليز المحاكم الإسلامية.
إعداد «طبخة»
اتصالات كثيرة جرت في الأسبوع الماضي. وكلها تشي بوجود «طبخة» سياسية ما تستعد القوى الدولية والإقليمية والعربية على إعدادها. وهناك مخاوف كثيرة من أن تحترق «الطبخة» وتؤدي الاتصالات إلى نوع من الفشل السياسي في التوصل إلى صيغ معقولة.
الاتصالات لم تقتصر على ملف واحد وإنما اشتملت كل تلك الأزمات التي تعصف بالمنطقة وتهدد العلاقات الأهلية بالانهيار. فالمنطقة تواجه استحقاقات كثيرة، فهناك الملف النووي الإيراني، وهناك الملف العراقي، والملف اللبناني، والفلسطيني، وأيضا السوداني والصومالي وغيرها من قصص صغيرة وكبيرة تدفع الدول والناس إلى حال من الترقب السياسي والحذر من العبث بما تبقى من أمن واستقرار.
الملفات هذه على أنواعها وإشكالها مترابطة من قريب أو بعيد وأي خطأ في مكان قد يستدعي الانجرار إلى أخطاء أخرى عادية أو خطيرة في أمكنة أخرى... والأخطر في هذا المجال هو اندفاع القوى السياسية إلى فتنة طائفية/ مذهبية ترتسم في ضوء نتائجها ملامح جديدة لما يسمى «الشرق الأوسط».
الكل يدرك خطورة المواقف وسلبيات الاندفاع نحو الخطأ، ولكن الكل لا يعمل في السوية نفسها على احتواء التشنجات ومنع الناس من التساقط إلى حال من الفوضى السياسية والمذهبية قد تجرف معها كل القوى إذا انزلقت الشوارع إلى اصطدمات عنيفة. وفي حال حصل هذا الأمر تكون كل القوى شاركت في صنع الكارثة بما فيها تلك التيارات التي تعتمد على برامج ايديولوجية تحارب الفتنة وتركز على أولوية الصراع مع المشروع الأميركي وامتداده الإسرائيلي في المنطقة. فالكارثة حين تقع فإنها ستساوي كل الأطراف وتضعهم جميعا في خط واحد وجبهة واحدة. والمسئولية السياسية لا تكون نسبية لأن النتيجة هي التي ستوزع حصة كل فريق في إنتاج الكارثة.
السياسة في النهاية ليست مجرد شعارات ايديولوجية وخطب حماسية وكلام عام يجرد الواقع من تعقيداته وآلياته ويدعو الناس إلى الحذر وفي الآن لا يتحرك ميدانيا لمنع وقوع الكارثة التي يحذر منها. فالعبرة في النتائج وعلى قدرها تبدأ عملية المراجعة والحساب. والسياسي هو من يقرأ الحادث ويتحاشاه قبل وقوعه وإذا ترك الأمور تذهب نحو الانفعال من دون وعي أو دراية للمخاطر يكون في النهاية أحد المشاركين في الكارثة مهما ترفّع عن المسألة وادّعى البراءة منها.
العراق نموذجا
ما يحصل في العراق منذ الاحتلال وسقوط بغداد بدأ ينكشف الآن، وأخذت الدلائل تشير إلى ذاك «النموذج» الذي صممته الإدارة الأميركية للمنطقة. والمحصلة التي ظهرت ميدانيا من فرز طائفي ومذهبي ودعوات للفيديرالية، والتقسيم المناطقي وتفكيك بلاد الرافدين إلى أقاليم تفصح في النهاية عن ذاك المشروع الاستراتيجي الذي يبدو أن الولايات المتحدة عازمة على تنفيذه عنوة أو سلما.
وما يحصل في فلسطين من تصادمات سياسية بين قوى صاحبة مصلحة مشتركة في مقاومة الاحتلال والعدوان يظهر للملأ أن «خريطة الطريق» بدأت بشق أزقتها من خلال تشطير الناس إلى معسكرات ايديولويجة تتعامل بخفة مع برنامج الأولويات سواء ذاك الفريق الذي يغلّب الدولة أو ذاك الذي يغلّب الثورة.
وما يحصل في لبنان من تنافرات أهلية واقتحام أحياء وتصادمات عنيفة في ظل انقسام سياسي حاد على «المحكمة ذات الطابع الدولي» أو على «الحكومة الوطنية» أو على علاقات الجوار يشير إلى وجود سياسة لا تقرأ الواقع ولا تكترث بالتداعيات التي يرجح أن يصل إليها هذا البلد الصغير في حال استمرت الأطراف في إقفال خطوط الحوار والذهاب بعيدا في الشحن والتحريض والتأليب.
الأمور إذا خطرة وهي فعلا تستدعي الإسراع في تكثيف الاتصالات واللقاءات والمؤتمرات حتى لا تزلق المنطقة إلى سلسلة انفجارات يختلط فيها السياسي بالطائفي بالمذهبي وتصبح الدول عرضة للانشطارات الأهلية كما هي حال العراق الآن. فالعراق هو «النموذج» وما يجري في عاصمته ومدنه ومحافظاته يشكل ذاك المسرح الإقليمي لدول «الشرق الأوسط».
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ