قبل سنوات، وفي بدايات عهده رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، صرح الرئيس جورج دبليو بوش بأن هناك «محورا» للشر، وهذا المحور يتكون من العراق وإيران وشمال كوريا. ولم يكن هناك ما يربط بين هذه الدول سوى عدائها آنذاك لأميركا، أو بالأحرى عداء أميركا لها لأسباب مختلفة.
في العام 2003 احتلت أميركا العراق، والمفترض أن المحور انكسر، وخرج العراق من «محور الشر»، ولاحقا من المفترض أن شمال كوريا خرجت من المحور بعد موافقتها على التخلص من التكنولوجيا النووية التي تستخدم في صناعة أسلحة الدمار الشامل. ولكن إيران بقيت على ما هي عليه، ممانعة لأميركا... وأضيفت دول أخرى معادية لأميركا، إحداها (فنزويلا) التي تقع بالقرب من الحدود الأميركية.
لقد جاء الصعود الروسي والتحدي الذي ازداد بعد الحرب المفاجئة في جورجيا قبل شهرين كمفاجأة لمن يطلقون تعبيرات الشر على الآخرين. ولربما تعود روسيا إلى المصطلح الذي أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان عندما وصف الاتحاد السوفياتي بـ «امبراطورية الشر».
على أن الكثيرين مازالوا يحاولون فهم مقولة بوش عن «محور الشر»، إذ إن البلدان التي ذكرت لا تشكل محورا بالمفهوم المعتاد. ثم لماذا لم تطلق أميركا هذا المصطلح على المنافس الحقيقي لها الذي ينمو كل يوم وهو «منظمة شانغهاي للتعاون» التي أسستها كل من الصين وروسيا، وهي تتطور حاليا، وربما تصبح في يوم ما حلفا عسكريا شبيها ومنافسا لحلف الناتو.
ربما أن عدم إطلاق تصريح مماثل تجاه روسيا والصين يعود إلى أن استثارة موضوع حقيقي ستكون له عواقب وخيمة بعكس إطلاق التهم على شيء يقترب من الوهم.
وهذا يقودنا إلى موضوع مشابه، إذ انطلقت مصطلحات في الفترة الأخيرة تحدثت عن «الهلال الشيعي» و«الانبعاث الشيعي» و«الغزو الشيعي»... وهذه مصطلحات ليس لها واقع من الأساس. فالدول ذات الغالبية الشيعية حاليا ولديها حكومات شيعية أو أن الشيعة يمثلون غالبيتها هي أذربيجان وإيران والعراق، وهذه الحكومات لا يجمعها «هلال» ولا يجمعها حلف. فأذربيجان لديها خلافات مع إيران، والعراق مسيطَرٌ عليه من قبل أميركا التي تعتبر إيران جزءا من محور الشر. أما المناطق التي يمثل الشيعة سكانها الأصليين، مثل البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية فلها قصص مختلفة، بل ومعاكسة لما يطرحه البعض.
ثم إذا كانت مساندة إيران لحزب الله تعبيرا عن «هلال» أو «انبعاث» أو «غزو» شيعي، فماذا نقول عن مساندة إيران لحركة حماس التي ليست لها علاقة بالمذهب الشيعي، وهي جزء من حركة الإخوان المسلمين؟ ربما ان الذين أطلقوا مصطلحات عن الشيعة يعتقدون أن هذه الفئة في المجتمعات العربية والإسلامية يسهل استهدافها لأسباب شتى. ففي حين نعلم أن هناك انبعاثا حقيقيا لاتجاهات أخرى - ليست لها علاقة بالشيعة - وهي اتجاهات أكثر قوة وأكثر فاعلية وأكثر خطورة من الوهم المختلق، لا نسمع أي شيء عنهم ولا توجد أية تحذيرات منهم.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ