الحديث عن الممارسات العاشورائية التي ترتبط بالإمام الحسين (ع) وبعاشوراء لها جانبان، أحدهما ثابت لا يتصور التغيير فيه، ومن ثم لا يمكن الحديث فيه عن التطوير أو الإبداع، والآخر المتغير الذي يمكن أن نتحدث عن الإبداع والتطوير فيه.
أما الجانب الأول فهو الذي يتمثل في جانب كبير من العبادات التي وردت في شهر محرم الحرام والتي تتمثل في الصلوات والصوم والأدعية والزيارات، وبعض وسائل التعبير عن المأساة من قبيل البكاء وإظهار الحزن والتي لا يمكن تصور أي تغيير فيها لما فيها من الجهة التعبدية المحضة، التي يراد من خلالها الارتقاء بالمؤمن في علاقته بالله تعالى وبأهل البيت (ع)، فإن الهدف الأسمى هو الارتقاء بالمؤمنين إلى حال من السمو المعنوي والروحي والقرب من الله عز وجل في كل جوانب العلاقة به. لذلك فإن شهر المحرم يمثل محطة وموسما من مواسم التغيير الروحي والنفسي، يرتقي فيه المؤمن إلى حال من القدسية والطهر بتلك الممارسات الروحية والعبادات المتنوعة.
أما الجانب المتغير فهو المتمثل في الوسائل التي يمكن من خلالها التعبير عن الأهداف التي حملتها رسالة عاشوراء، فلابد لنا من استقراء الوسائل المختلفة التي نقوم بالتعبير من خلالها عن الأهداف الحسينية، ونلاحظ ما يمكننا أن نقوم بالتطوير في الموجود منها، والإبداع فيما ليس بموجود منها.
المنبر الحسيني
وهو يعتمد في جانب كبير منه على الناحية المأسوية، وهذه لابد من تكريسها والحفاظ عليها جدا، لما لها من الأثر الكبير في الربط بين الجماهير وبين قضية الحسين (ع)، ومبادئه، ولما تمثله من امتثال واقتداء بالنبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع).
ويمثل المنبر آلية يمكن من خلالها بث الفكر والمعرفة الدينيين، وهنا يمكن لنا أن نركز على قضية التغيير والتطوير والإبداع. فربما يكون من جوانب الإبداع تحويل المحاضرة المنبرية إلى محاورة بين الخطيب والجمهور المتلقي دائما، فيتم تحويله إلى موقع المشارك، وهو أمر من شأنه حفز المستمع إلى أن يكون مساهما في البحث.
كما أن المرحلة قد تفرض على الخطيب الاستفادة من الوسائل التعليمية التي تقرب المفردة المعرفية إلى الذهن، من خلالها توفير وسائل العرض في الحسينيات من أجل توفير الجهد على المستمع في فهم المفردة المعرفية التي يريد الخطيب أن يطرحها للحضور، والتي ربما تتجسد في الاعتماد على ثقافة الصورة المعبّرة عن الكلمة.
ومن المهم التجديد في الموضوعات المطروحة على مستوى المنبر، وملاحقة النظريات الأخيرة في جوانب المعارف الدينية المختلفة، وتحليلها ومناقشتها مناقشة علمية متينة.
ومن أجل أن يبقى المنبر هو الوسيلة الأكثر تأثيرا وحضورا وفاعلية في الواقع الاجتماعي، فمن المهم جدا أن تصاغ استبانات متعددة للتعرف إلى نقاط القوة والضعف في الجوانب المختلفة لما يمكن أن يقدمه المنبر الحسيني. وهو ما قد يفرض استحداث مؤسسات تخصصية لرعاية المنبر في آفاقه المتعددة.
المواكب الحسينية ووسائل التعبير
وسائل التعبير المختلفة التي تجسد أهداف الحسين من قصة أو مسرحية أو فيلم أو تصوير فني خاص، وهذه لاشك يراعى فيها الإنتاجات الممتازة للمدارس الفنية المختلفة التي تحرك الفن في خدمة الهدف الكبير وتجعل من الإبداع والتصميم الفني الراقي والملتزم خادما حقيقيا لتجسيد الحق والتعبير عنه بالصورة الفنية المتقدمة.
مواكب العزاء التي لابد فيها من أن تعبّر عن القضية الحسينية تعبيرا حقيقيا خالصا، وبما يجنبها أي نقد خارجي يمكن أن يمسّ بها أو بقدسيتها.
هذه بعض الوسائل فيما يرتبط بقضية الإبداع والتطوير، ولكن لابد من التفكير في وسائل أخرى تمثل عاكسا أساسيا للقضية الحسينية، منها على سبيل المثال افتتاح المؤسسات التخصصية التي يمكن أن توظف الطاقات الشبابية الهائلة، كالمؤسسات التي يمكن أن ترعى البحث العلمي والتاريخي والتحقيقي بشأن حركة الإمام الحسين (ع). ومنها أيضا المؤسسات التي ترعى المحتاجين، وذلك من خلال توظيف الأوقاف توظيفا سليما على أسس شرعية، وتحويل برامج الإطعام التي ربما لا توجد ضرورة لها في هذه الأزمنة إلى برامج دعم في جهات أهم، ذلك لابد أن يتم وفق رؤية شرعية واضحة.
ومنها أيضا المؤسسات التي يمكن من خلالها إعداد دراسات لرعاية شئون الشباب وقضاياهم ومحاولة فهمها، ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها، وذلك من خلال الاستفادة من هذه التجمهرات الواسعة التي تملأ الشوارع والأزقة في أيام شهر محرم الحرام. ومنها توظيف الجانب النسوي الذي يمكن أن يكون إحدى الممارسات في أيام الموسم، ويمكن توظيفه في الكثير من الجوانب. وتشكيل ورش عمل في مختلف القضايا الدينية والاجتماعية التي يمثل الشهر الحرام ميدانا خصبا لمناقشتها وطرحها. وهذه بعض التصورات ربما تجد لها مجالا للتطبيق، وقد يكون تطبيقها يمثل مرآة عاكسة بوضوح لبعض أهداف الحركة الحسينية، التي تمثل الدرع الحصين للدين والقلعة المنيعة له.
@ خطيب منبر، والكلمة ألقاها في مؤتمر عاشوراء.
العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ