عدا بضع مشكلات طارئة ومربكة كانقطاع المياه عن العاصمة المنامة في مناسبة من أكثر المناسبات «طلبا للماء»، وانقطاعات أخرى في بعض قرى شارع البديع، إلاّ أن موسم عاشوراء هذا العام تميز بالحضور القوي والمشاركات المتنوعة من مختلف الطوائف والأجناس، وكان الشعار الأول والأكبر الذي حمله عشاق الحسين، ليس هو فقط سكب الدموع والبكاء والعويل...
فحال البكاء تلك ما هي الا مشهد طبيعي أمام سيرة الواقعة الخالدة ومآسيها التي تصهر الجبال وتذيب الصخور، لكن الشعار الكبير والتطبيق الأكبر هو احياء التراث الإسلامي والدفاع عن الدين الإسلامي وتقوية المواقف وتعزيزها وتجديدها للتعرف بالدين الإسلامي العظيم حينا والدفاع عنه حينا آخر.
وفي هذه التقرير، سننقل آراء قصيرة لكنها واضحة في هذا الشأن، فالشيخ محمد آل نوح يصر على أن ذكرى عاشوراء تعتبر المدخل السنوي المهم لتجديد الثقافة الإسلامية وتقديم هذه الديانة العظيمة الخالدة أولا ثم تأتي ذكرى الحسين ( لتوضح نموذجا في صيانة تلك الديانة، وهو ما يعرفه الجميع عن سيد الشهداء الذي جدد بدمائه الطاهرة الأمة والتزامها بدينها. وهو يرى أن المشاركة مهمة من جانب كل فئات المجتمع، حتى وإن نظرنا الى ما يثار من تخويفات بشأن ممارسات الشيعة ثم يحدثون تلك الإسقاطات من صفوية وغيرها، فإنها قضايا تافهة ويجب على الجميع رفضها من باب أنها مثيرة للفتن والضغائن ولله الحمد، فإن المجتمع البحريني واع لمثل هذه الأمور.
ومن جهته، لا ينسى الحاج علي خميس (حسينية حجي علي خميس في بلاد القديم) أن يوجه كلمة الى كل المسلمين، سنة وشيعة، لأن يجتمعوا تحت راية النبي محمد (ص) ويجعلوا من الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه نبراسا ينير الطريق الحق، فالحسين هو محمد وهو الإسلام وهو الحق وهو القيم والأخلاق والتضحية، فلابد من أن نحيي هذه الذكرى بمشاركة تقوى عاما بعد عام كما فعل أجدادنا، لأن قضية الحسين قضية خالدة لأن الحق خالد، والخلود الأول والأقدس هو للحق. وفي هذه الذكرى نقف وقفة هيبة وإجلال أمام هول المأساة الفظيعة، لأنها تعبر عن ظلم ماحق ضد الإنسان والإنسانية، وعن عطش شديد لامتلاك السلطة وضرب القيم والمبادئ، التي قامت عليها رسالة الإسلام، والأديان السماوية جمعاء.
ويشترك معه في الحديث شقيقه فيصل خميس الذي تحدث معزيا الأمة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وتحدث فيصل وهو يحمل طفله الصغير مؤكدا أن هذا الأمر سيبقى وسننقله الى اطفالنا فمنذ نعومة اظفارهم نعلمهم على حضور المأتم للبكاء... نعم، ثم للاستعداد لفهم الدين الحق، الرسالة السماوية العظيمة التي حملها نبي الأمة محمد (ص) وذاد عنها أهل بيته بكل رضا... من الإمام علي )الى ظهور الإمام صاحب العصر والزمان... ونحن سنبقى على العهد ما حيينا.. فكلنا لمحمد وأهل بيته خدام وعشاق.
أما توفيق جواد، فهو يشير الى أن ذكرى عاشوراء والمجالس الحسينية التي تقام فيها، تعتبر مدرسة مليئة بالدروس والعبر والمواقف النافعة، التي تنشر الوعي في نفوس المستمعين وتعطيهم الدروس في التعاون والتكافل من خلال الصورة التي كان عليها الإمام الحسين (ع) مع أصحابه، والتي كان عليها الأصحاب بعضهم مع البعض الآخر، من صور التضامن والإخلاص، التي عزَّ نظيرها، وقد انضوى تحت لواء الثورة الحسينية الشيخ والشاب، والأبيض والأسود، وكان فيها النصراني والمسلم، والرجل والمرأة، لأن الشعارات التي رفعت، والمشروع الذي أراد الأمام الحسين (ع) تحقيقه، هو مشروع الإصلاح الشامل لكل فرد في المجتمع، فلم يكن مشروعا مذهبيا أو مناطقيا، وإنما كان مشروعا إنسانيا يحمل هموم الإنسان وقضاياه العادلة والمحقة في حياة حرّة كريمة.
ويدخل في الحديث سامي سعيد الحواج، الذي يطرح رأيه مباشرا بالقول إن هذه المجالس الحسينية بقيت وستبقى الى أبد الآبدين، وقد كان لهذه المجالس الحسينية التي تحولت إلى مدارس لتعبئة النفوس وشحذ الهمم والعزائم في مواجهة الظلم والظالمين، الأثر الكبير في تحدي الطغاة وأعداء الأمة ولنا في الكيان الصهيوني الغاصب مثالا، حيث أخذ المقاومون من تلك المجالس الحسينية إباء الحسين (ع) ورفضه للضيم والعدوان مع تلك الجماعة القليلة التي رفضت مبايعة الحاكم الظالم، وفضَّلت الاستشهاد في سبيل القضية على الرضوخ للإذلال والاضطهاد، وتبقى مجالس الحسين مدرسة يأخذ منها الأحرار والمجاهدون الدروس النافعة لأممهم وشعوبهم وأوطانهم، وقد جاء القول عن المهاتما غاندي «لقد علمني الحسين كيف أكون مظلوما وأنتصر». ويؤكد أن المجتمع البحريني، بخير، سنته وشيعته، وإن طرأت بعض المنغصات، فهي الى زوال بعون الله لأن المجتمع البحريني لا يقرأ عاشوراء على أنها حال حديثة الظهور كظاهرة، وإنما هي عطاء إسلامي متجدد من قديم الزمن.
العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ