شعبٌ أصيلٌ مضياف، شعبٌ كريم، شعبٌ بسيط، وذكي في آن واحد. شعبٌ له علاقة بالعرب والعروبة وثيقة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. انه شعب عزيز يفخر بانتسابه لأرضه وأمته العربية، مؤمن بقضايا العرب والمسلمين؛ أليس «اليمن من الإيمان»؟! شعبٌ يمتلك الحكمة من زمامها، أليست «الحكمة يمانية»؟! النبي محمد (ص) قال: «أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة». هذا هو الشعب اليمني الأصيل.
في صنعاء، يوم الخميس 25 يناير/ كانون الثاني 2007 الساعة 12 ظهرا، وقبل دخولنا إلى المطعم، الذي يتوسط سوق باب اليمن بـ«صنعاء»، استوقفتنا سيدة تحمل معها عيش باللهجة المصرية وخبز بالبحرينية وملوّج باليمنية. تزودنا بخمسة أقراص من هذا الخبز، للاستعانة به على الوجبة اللذيذة التي يطهوها الطباخ على نار مشتعلة عاليا. بعد انتظار طويل، وبعد «البحلقة» الشديدة التي بحلقتها في الرجل الجالس أمامي على الطاولة وهو يلتهم الأكل بطريقة حرفية رقيقة... انه يبدو وكأنه خارج من رحم التاريخ، يقبع أمامي بكامل لباسه اليمني المعروف، فهو يلبس القفطان بالمصري والثوب بالبحريني و»زنّة» باليمني. هذا الرجل يعتمر عمامة، ويتحزم بـ«جنبية» (الجنبية هي خنجر مغروس بالغمد في وسط الجسد يربط على البطن) تشعرك تلك «الجنبية» أول ما ترى هذا الرجل أنه لن يتورع عن غرزها في كبدك إن رمقته بشيء من الاستخفاف أو أي شيء آخر... ولكن فاجأني هذا الشيخ اليمني بكرمه وحسن ضيافته على الطاولة، انه الإنسان اليمني الطيب جدا والمتسلح جيدا!
المهم، شرفتنا الأخت «فحسه»، وهو طبق مخلوط باللحمة والفلفل الحار، وكم كانت لذيذة «فحسه»، وقد طاب لي التلذذ بها أيما تلذذ، لغاية «تنظيف الإناء» عن آخره! ولكن زميلي أحمد أصرّ على أن يراود «سلته» عن نفسها، فهو لا تروق له «اللحمة» كما يقول، وقد كان طلبه مجابا، فإذا بسلته تتمخطر أمامنا مخلوطة بالخضار، أي بلا لحمة، آتية في كامل زينتها على طبق مصنوع من الفخار. أخونا جمال كان يتوسط الاثنين، أحمد وأنا، وكان يتناوب على الطبقين، تارة «سلته» وأخرى «فحسه»!
حرارة الطبقين سلته وفحسه (نارا وطعما)، يستعين بهما «اليمني» على حرارة الأسعار التي يعاني منها والظروف المعيشية الصعبة. أليست جميع الشعوب العربية بحاجة إلى «سلته وفحسه» الحارتين جدا، نارا وطعما؛ ليستعين بهما على العهر السياسي الذي تمارسه الأنظمة المستبدة والمستولية على الخيرات في البلاد العربية. أخيرا، فأنني اعتقد بأن «فحسه وسلته» هما الأكلتان المفضلتان عند اليمنيين، وضيوفهم، وأنا منهم!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ