العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ

فتح وحماس بين «ازدواجية» السلطة و«ازدواجية» المعايير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أكثر من 27 ضحية سقطت في الأسبوع الماضي خلال الاشتباكات التي جرت في الضفة والقطاع بين فتح وحماس. المشاهد كانت مؤلمة خصوصا للفئات التي تعتبر أن قضية فلسطين تشكل الرافعة السياسية للأمة. أو تلك الفئات التي تنظر إلى القضية من زاوية تاريخية لكونها تشير إلى ذاك الظلم الذي ارتكب بحق شعب فاستلبت أرضه وطرد من دياره.

المشاهد فعلا مؤلمة ؛لأنها حفرت في العمق ذاك الجرح الإنساني وأثارت في الوجدان مجموعة أسئلة تمس روح الأمة التي جعلت من فلسطين القبلة الثانية فهي بوصلة جامعة تربط الناس إذا تفرقوا وتوحدهم إذا اختلفوا. وما يحصل في فلسطين أعمق بكثير من ذاك الصراع التافه على السلطة، وهو أسوأ بكثير من تلك الاختلافات الجزئية والشارعية التي تعصف بلبنان أو ذاك الاقتتال الأهلي الذي يدمر العراق.

الموضوع الفلسطيني له تاريخ طويل في الذاكرة الجمعية، ولذلك يعتبر نقطة توازن للأمة. وإذا تعرض هذا الموضوع للإساءة؛ فإن انعكاساته السلبية أبلغ بكثير من تلك التصرفات الشائنة التي تحصل في بلاد الرافدين أو ذاك التشنج الذي أخذ يمتد في شوارع بيروت ويجرف معه المقاومة إلى أزقة المدينة. على ماذا تختلف حماس مع فتح؟ وماذا يريد الرئيس الفلسطيني من رئيس الحكومة أو العكس؟ القراءة تكشف مدى عمى الألوان الذي وصلت إليه القيادة السياسية بشقيها.

الرئيس محمود عباس يقول بما معناه إن فوز حماس قبل سنة في الانتخابات التشريعية أمر مشروع، وهذا حق لها ولكنه يكمل قوله بكلام آخر لا ينكر الفوز وإنما يشير إلى ضعف قيادة حماس وقلة خبرتها في العمل السياسي وتعاملها السلبي مع الشروط الإقليمية والظروف الدولية. عباس يرى أن نجاح حماس في الانتخابات جرى توظيفه بطريقة سيئة وأورث الشعب الفلسطيني مشكلات كان بالإمكان تجنبها لو أحسنت التصرف وتعاملت مع المسألة بموضوعية. وانطلاقا من اتهام حماس بقلة الخبرة وعدم المعرفة السياسية بشئون العلاقات الإقليمية أعطى هذا الضعف ذريعة للقوى الإقليمية والدولية بفرض المزيد من الحصار على الشعب من خلال تعريض الناس للجوع،الأمر الذي أثار المخاوف والقلاقل ودفع الكثير من شرائح المجتمع إلى التحرك طلبا للمعاش أو رغيف الخبز.

رئيس الوزراء إسماعيل هنية يرفض اتهامات أو تحليلات عباس ويؤكد أن حماس على علم بالعلاقات الدولية وعلى دراية بإدارة السلطة و تريد توظيفها بأسلوب أفضل من السابق. هنية ينطلق من تجربة فتح ؛ليشير إلى أن التجربة المرة لم تبدأ بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة ،وإنما كانت موجودة قبلها ،وبسبب فشل فتح في إدارة الدولة؛ لجأ الناس إلى التصويت لحماس ؛لإنقاذهم من ورطة الوعود التي لم تنفذ منها «إسرائيل» سوى المزيد من القمع والحصار، واستخدام العلاقات الدولية والصمت الإقليمي وسيلة سياسية لبناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وانطلاقا من تجربة حية لاتزال ماثلة للعيان أكدت حماس على برنامجها الأصلي، ورفضت تعديله حتى لا تتكرر تجربة فتح السابقة. فالرئيس الراحل ياسر عرفات قدم كل ما طلبه الاحتلال من تغييرات وتعديلات ،وتنازل عن الكثير من الأساسيات مقابل وعود مضمونة دوليا، ولكنه وصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود ،واضطر إلى إعلان انتفاضة لتعديل موازين القوى وانتهى أمره بالحصار والتضييق على مقر الرئاسة حتى أصيب بذاك الداء الغريب الذي أودى بحياته.

حماس إذا ترى أنه لا فائدة من تكرار تجربة عرفات ،وإعادة التفاوض على برامج وحلول وتوافقات واتفاقات رفضت تل أبيب الالتزام بها وناقضتها حين تغيرت الظروف الإقليمية والمعادلات الدولية. وبسبب تلك التجربة ترد حماس على تهمة الرئيس بتهمة مضادة وهي أن لا جدوى سياسية من الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا معنى للالتزام بوقف حق المقاومة في دفع الاحتلال والعدوان والحصار مادام الطرف الآخر لا يبدي أي إشارة إيجابية في هذا المعنى.

الجانب العقائدي وغيره

هذا الجانب العقائدي من الموضوع ساهم في تضخيم الأزمة بين الطرفين. الرئيس عباس مدعوما من قطاع واسع من فتح يطالب هنية بالليونة وتقديم تنازلات مبدئية تتصل بالاعتراف بالاحتلال ،وترفض العنف كخطوة لابد منها لإقناع القوى الدولية (أميركا وأوروبا) بفتح الطريق أمام السلطة لممارسة مهماتها ولعب دورها الخدماتي وتأمين الحد الأدنى المطلوب من مقومات معيشية تساعد على تسليك أمور الناس ومتطلباتهم. ورئيس الوزراء مدعوما من حماس كرر رفضه لمثل هذه الخدمات المجانية مادامت «إسرائيل» غير معنية بالمصالح الفلسطينية، وهي تستغل تلك المسألة؛ لتمرير مشروعها، وكسر عنفوان الشعب وإذلاله عن طريق الحصار والمقاطعة المالية.

على حد هذا السيف العقائدي أخذ الانقسام يتسع مثيرا الحساسيات بين طرفين: الأول، يدعو إلى الليونة؛ لكسب ثقة الدول الكبرى والمحيط الإقليمي ويخفف عن الناس تلك الإضافات التي أورثتها حماس للدولة والشعب. والثاني، يدعو إلى الصبر؛ لكسب جولة لابدّ منها لإعادة الاحترام لقضية انتهكتها الدول الكبرى، وتعامل معها المحيط الإقليمي بخفة.

تحت سقف هذا الانقسام الثنائي الكبير دخلت على خط الدولة والمقاومة «الأطراف الثالثة» و«الطوابير الخامسة» تدفع التعارض إلى تناحر مسلح. وهذا ما بدأ يظهر في أكثر من مكان وبأساليب مختلفة الأشكال والألوان. وبسبب خطورة الموضوع لجأ عباس إلى طرح مشروع حل يقوم على فكرتين: الأولى، تأليف حكومة وحدة وطنية موسعة تقلص من مواقع أو صلاحيات وزراء حماس؛ لفتح قنوات اتصال مع الخارج ترفد الداخل بعناصر ضرورية لتثبيت الممانعة والمقاومة. والثانية، إجراء انتخابات مبكرة تحسم شعبيا اختيارات الناس السياسية وتسعف الدولة على التخلّص من مأزق «ازدواجية السلطة». فازدواجية الصلاحيات بين موقع الرئاسة ودور الحكومة عطلت على الدولة الكثير من الفرص كما يرى عباس. ولذلك اقترح أن تعقد دورة انتخابية جديدة يعطى الناس فرصة جديدة للاختيار بين وجهتين فأما أن يقول الشعب كلمته نعم لحماس ويتحمل مسئوليته، وإما أن يعيد النظر بموقفه السابق ويجدد ثقته بفتح ودورها التاريخي.

هذا الحل المزدوج رفضت حماس أو هنية القبول به نظرا إلى كونه يشكل حركة التفاف حول الشرعية. وبسبب الرفض استمر الانقسام يتدحرج إلى أن وقعت في الأسبوعين الماضيين تلك الاشتباكات والمواجهات والاقتحامات والخطف والخطف المضاد وكأن الاحتلال انحسر عن الأرض وتراجعت حكومة إيهود أولمرت عن حصارها أو تهديدها بإعادة الاحتلال.

حتى الآن تبدو الأمور سائرة نحو الأسوأ. ولعل دعوة خادم الحرمين للطرفين للاجتماع في مكة المكرمة وبحث الخلافات بين حماس وفتح تشكل نقطة عبور للخروج من مأزق «ازدواجية السلطة».

هذه «الازدواجية» أحدثت فعلا تلك الصدمة السياسية والصدامات العسكرية، وهي على رغم دوافعها المحلية لا يمكن فصلها عن المحيط الإقليمي وترابط القضايا العربية ببعضها. فالمشكلة الفلسطينية عربية في عمقها الجغرافي وامتدادها التاريخي، وهي محكومة بشروط إقليمية ترتبط بمعادلة السلم والحرب أو اللاسلم واللاحرب. وهذه الازدواجية في المعادلة الإقليمية وعدم وضوح الخيار العربي العام باتجاه الحرب أو السلم أورث فتح وحماس ذاك التعارض بين اتجاهين تمثل في اختلاف أسلوب التعامل مع الاحتلال أو التعايش مع «إسرائيل».

فتح وحماس تعانيان من ازدواجية السلطة، ولكن أصل هذه المشكلة السياسية المتفجرة الآن في قطاع غزة والضفة الغربية يبدأ من تلك الازدواجية في المعايير. وازدواجية المعايير لا تقتصر على السياسة الدولية وانحيازها التقليدي للاحتلال والعدوانية الإسرائيلية وانما تمتد لتشمل السياسة العربية التي وصلت الى منتصف الطريق فهي لا تستطيع أن تتنازل وتسالم ولا تستطيع أن تحارب وتفاوض. وبين اللاسلم واللاحرب وقعت الأمة في مصيدة الانتظار لا تستطيع أن تتقدم ولا تستطيع أن تتراجع. وبين هذه وتلك تعرض العراق للاحتلال ولبنان إلى العدوان وتأسست ازدواجيات وثنائيات سياسية وطائفية ومذهبية ترى ملامحها السلبية وصورها الكارثية في بلاد الرافدين وبلاد الأرز، وبين فتح وحماس في أرض كنعان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً