ظلام وعتمة وضياع، حروب واصطفافات ودماء، شتات وتمزق وضعف، وضع أشبه ما يكون بالجاهلية الأولى، والوصف هنا على قساوته لا يرقى لتوصيف الواقع المرير والظروف الصعبة التي تحاول أمتنا العربية والإسلامية تخطيها وتجاوزها على رغم الدماء والجراح والآلام.
أمة عربية وإسلامية كبيرة، وجسم ممتد على مساحات شاسعة من اليابسة، غير أن هذا الجسد أو الجسم ينهش وينال منه، وتصاب أعضاؤه بالإمراض والبلايا، ليتدحرج من ضعف إلى وهن، ولنصبح أمة مشلولة وغافلة عن العالم ومشغولة ببعضها.
نحن بأمس الحاجة في ظرفنا الراهن إلى الفكرة المنقذة والخطاب المتأمل، والنص الحكيم، لأننا أصبحنا في واقع زادُنا فيه هو الأفكار الهوجاء التي تسود الساحات، والخطابات المتشنجة الصاعدة جماهيريا وشعبيا، وتعززت فيه الكتابات المتهورة لتصبح سيدة الموقف.
إننا اليوم في زمن الفتنة، واستكملت عدتها وعتادها، وتحركت تزرع الحقد، وتدفع أرواح الأبرياء ثمنا لأهدافها، نحن اليوم في ظروف استحوذ الشيطان فيها علينا جميعا، فأصبح هو السمع الذي نسمع به والبصر الذي نشخص الأشياء به، والدافع الذي يبعثنا مختارين إلى الوحل والظلمة والمستنقعات الآثمة. هنا لا يسعني الا الكتابة عن وقفات محبة مع كتابنا الكرام وخطبائنا الأعزاء، ومثقفونا الأفاضل.
الأولى: إن مسئوليتنا الدينية والأخلاقية تتطلب منا إطفاء نيران الفتنة التي تشتعل من حولنا، وطلب العون من الله سبحانه أن يوفقنا لوأدها، وأن يعطينا من الجهد والقوة ما يمكننا من الإعانة على رتق الصدع، لتعود النفوس كما كانت متحابة ومتسالمة، فإن لم نستطع ذلك(بأن نطفئ نار الفتنة) فأقل ما يجب علينا فعله هو إضعافها، فإن لم نتمكن من ذلك أيضا فالمتيسر أمامنا هو تطويقها وحصرها، ولا يصح منا أن نعمد إلى نشرها بأي أسلوب كان. هذا ما يصنعه الاطفائيون لمعالجة الحرائق الكبيرة، حين تلتهم الأخضر واليابس، إنهم يعزلون منطقة الحريق، أو يرشون ما حولها بالماء منعا لحدوث حرائق جديدة في المناطق المجاورة.
ليس ثمة انتصار يمكن أن يحققه الكاتب (أي كاتب كان) بعباراته التعبوية، وعباراته التهيجية، فهذه لغة متسافلة بعيدة عن رسالة الكتّاب، بل هي عكسها تماما إذ تهيئ المناطق الأخرى التي تبث فيها لانتقال الفتن والمصائب إليها، وامتدادها إلى مساحات جديدة.
الثانية: وراء كل حدث وحادثة تسود ردود أفعال ليست ناضجة أحيانا، لأنها مأخوذة بصدمة الحدث وسكرته، وتبدو ردود الأفعال هذه انفجارية ومتوترة، يحركها أصحابها في ظروف التوتر والاحتقان غير عابئين بما يتولد عنها بعد حين.
إن من المهم والمفيد أن نتأمل الحوادث، وأن نتأملها، حتى تنجلي السكرة وتأتي الفكرة، وحينها نكتب ما يرضي ربنا وينفع مجتمعنا، إن التغلب على ساعات السكرة عملية مهمة وضرورية كي نحولها(السكرة) إلى فكرة نرعاها ونؤكدها في نفوسنا ونبثها للناس من حولنا ليتعظوا بتجارب غيرهم، ويستفيدوا منها دروسا ليس ثمنها الا الإنسان وأمنه وسعادته.
الثالثة: نحمد الله سبحانه وتعالى على الأمن والأمان في بلادنا، وعلى صلاح البال الذي ننعم به، فالكثير من الفتن تتحرك قريبا منا أحيانا لكن تبقى ونبقى على مسافة (بعيدة إن شاء الله) عنها. هذا الوضع يتيح لنا أن نكون في موقع المراقب للحوادث عن كثب، وهو موقع ثمين ومهم، يتيح قدرا كبيرا من التروي والتفكر واستخلاص الدروس والعبر، والاستفادة من تجارب الآخرين، وتقلبات الزمان التي تمر بهم.
كتابنا وخطباؤنا ومثقفونا مطالبون بعدم الاستعجال في الانتقال من موقع المراقب والمتأمل إلى موقع الفاعل والمشارك، فالفتن تأخذ من الجهال والبسطاء والمساكين ما يكفيها ويزيد، أما أنتم فالحاجة إليكم هي في استنقادنا من الجهل والبساطة والاستغفال، كما أن دوركم الموجّه هو ضرورة ملحة نحتاجها لتعزيز المحبة وتوطيد الاحترام المتبادل.
أنتم أيها الكتاب زين البلاد وحيادكم هو ما يمكننا من قراءة الفتنة من جهاتها المتعددة، ويتيح لنا حرية أكبر في اختيار الموقف الذي يرضي الله ورسوله ويرضي عنا ضمائرنا وانسانيتنا.
ولنتذكر أن هذا الوطن المعطاء يستحق منا أن نحميه بكلامنا الطيب، وكتاباتنا المعتدلة، وأن نشدد الرقابة على أنفسنا حتى لا نستورد صراعات الآخرين من الخارج إلى سور هذا الوطن.
إن رسالتكم أيها الكتاب هي هذا الوطن بما فيه من دين وأهل، والشهم هو من يخدمه بوحدته وتراصه وتوافقه، ويخرج أهله من ظلمات الإعلام والتشويه والشائعات إلى نور الإسلام وصفاء الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ