إبان الانتخابات النيابية الماضية وأثناء استعدادات الجمعيات السياسية وإعدادهم للقوائم الانتخابية، تم إسقاط المرأة من القوائم الانتخابية وعدم تمثيلها من قبل البعض أو ادعاء البعض الآخر بتمثيل المرأة طمعا في الحصول على النعوت الإيجابية لكون محور تمكين المرأة سياسيا مطلبا متوافقا عليه، وعندما انبرت الأفواه تتساءل عن الأسباب والمبررات وراء عملية الإقصاء والتهميش، وجهت للشارع تهمة على شكل فرض غير متحقق منه بأنه قد يكون عائقا لوصول المرأة لقبة البرلمان ربما كان ذلك الاتهام غير المبرر أحد الأسباب التي حالت دون الجدية التامة في محاولة إيصال إحدى النساء إلى البرلمان بحجة أنه ربما خسران المقعد إذا ما تم الضحية به لصالح المرأة إذ إن الشارع لايزال إلى الآن غير ناضج سياسيا وبالتالي قد لا يتقبل فكرة مشاركة المرأة في الانتخابات أو وصولها لقبة البرلمان، كان ذلك أحد الفروض أو التكهنات السياسية غير المسلم بها وقابلة للملاحظة والتجريب حتى نتمكن من إصدار أحكام نهائية أو حتى تعميمه على غرار الفرض العلمي.
ابتداء وقبل الغوص بشكل عميق في أغوار الفرض التي يتضح بجلاء عدم صوغه بشكل دقيق يضاهي مقدار أهمية نتائجه المترتبة على الساحة، لا لكوننا نساء ونتعاطف مع كل ما يتم طرحه عن ملف المرأة ولا لكوننا نطالب بتمثيل للنساء على رغم الاستحقاق، ولا لكوننا نتبنى الأجندة التي تتشبع بالتمكين السياسي للمرأة وهي خاوية لا، ولكن لكون الموضوع أكبر بكثير مما يصور ولا يمكن تصغيره إلى الحد التي يفقد فيه بريقه الحقيقي، كون مشاركة المرأة في العمل السياسي استحقاقا أكيدا للمرأة كما للرجل لا يقبل المناقشة أو الجدل فيه، خصوصا إذا ما علمنا بأنه لا إشكال فقهي يمنع المرأة.
إذا المراة شريك حقيقي أن أردنا الاعتراف بحقها السياسي أو نكرانه، إذ إنه لا يمكن اختزال عمل المرأة سياسيا في الأبعاد الثانوية غير الأولية، لأننا ببساطة إذا عمدنا إلى ذلك سنقع في الخطأ حتما في التعامل مع المرأة أولا كإنسان مع محور العمل على تمكينها التي نحمل مع ما نحمل من أهداف ومبادئ تحمل الغرض والهدف نفسه ولا يتعارض مع دستور التنظيمات السياسية التي خططناها بإرادتنا من دون أية إملاءات خارجية مفروضة علينا، وعلينا السعي لتحقيقها وتذليل الصعاب، وثانيا لا يمكن الاستهانة بالنتائج المترتبة على إهمالنا لقطاع يمثل نصف المجتمع، وسنلام على أية حال في تقصيرنا وعدم نجاحنا لأنه أحد المطالب الحقوقية.
ما حصل أن تكهنات هنا وهناك حكمت الموضوع والقرار بعيدا عن إرادة الشارع وبعيدا عن رغبة القطاع النسائي، ومن دون تعريض الفرض حتى للتجريب والملاحظة على اعتبار أن هناك خلفية وقاعدة صلبة يستند عليها الفرض وتؤكد النتائج المترتبة عليه، وتشير إلى نتائج سلبية وتتكلم عن خسائر في المقاعد التي يرغبون اغتنامها.
وما بين الفرض والواقع العملي وإرادة الشارع ومدى واقعية الفرض، أيام قليلة فقط، وبينت الأيام الانتخابية والنتائج التي آلت إليه الانتخابات عكس المتوقع تماما من الشارع على رغم أن الشارع لم يدخل في رهان مع الفرض بل ان المتابع والمراقب للشأن السياسي يرى بوضوح عدم واقعية الفرض وعدم صحته، فما حصل أن التسليم جاء لصالح الفرض الذي تم صوغه، وبالتالي التضحية بالمرأة وعدم مشاركتها كمترشحة وتأجيلها للدورة المقبلة أو ربما لما بعدها إذا استمر تأثير الفرض الذي يستفيد من تعميمه من دون تجريبه أو التأكد من مدى صحته الرجل وهو الكفيل بالقيام بالواجب.
ما حصل أن الشارع الذي اتهم بغير وجه حق بأنه السد المنيع الذي سيمنع وصول المرأة وأن التعقيدات الميدانية ستنطلق من الشارع، هو الآن يسأل ويلح في سؤاله وطلبه أكثر من أي أحد أخر كطرف في العملية الانتخابية، بل أن القرار جاء حاجزا يمنع إرادته، إذ كانت تتجه إلى المٍرأة كشريك، ولايزال الشارع يردد لماذا أقصيت المرأة؟ ولماذا لم تمثل؟ بل انه بات أكثر تعاطفا من قيادات القرار والرأي.
وأظن لو أن قرار مشاركة المرأة في الانتخابات كان بيد الشارع لما تردد لحظة واحدة في إيصالها بدليل النتائج التي آلت إليها المرأة واقعا في الانتخابات على رغم عدم إحراز أي منهن فوزا بالحاظ أيضا النتائج التي حصل عليها الرجل التي خرج البعض منها صفر الأصوات، خصوصا فيما يتعلق بالمترشحة فوزية زينل في ثامنة الوسطى على رغم نزولها بشكل مستقل ومنافستها لأحد قيادات الجمعيات السياسية المدعومة شعبيا وحكوميا وهو احد النواب الموجودين في الساحة، فإن فوزية أحرزت تقدما ملحوظا من خلال النتائج التي حصلت عليها (34 في المئة) وبأصوات تصل إلى 2283 في دائرة توصف بالقبلية والعصبية ومع ذلك تمكنت من تحقيق انتصار ما كان لها أن تنجزه إلا من خلال مساندة الشارع لها، ولكونها تستحقه.
مثال آخر لإحدى المترشحات التي ضربت مثالا رائعا سنظل نتذكره على الدوام ولايزال الشارع بأسره صغارا وكبارا شبابا وشيوخا يتعاطفون معها بشدة كبيرة، وتمنى فوزها، وهي مترشحة «وعد» في رابعة الوسطى، وهي تعد بمثابة مصداق وشاهد ودليل مادي فاقع على براءة الشارع من التهمة التي وجهت إليه.
فقد أبدى الشارع تعاطفا مع المترشحة التي أن جاز لنا التعبير نزلت عليه ببرشوت ومع ذلك لاقت استحسان كبير وهذا يؤكد أنه لا قيود ولا تعقيدات ميدانية تجاه المرأة، بل ان هناك إرادة مجتمعية تتجه لاختيار المرأة كممثلة للشعب في المجلس النيابي، إذ الأمر لا يمكن اقتصاره فقط على الرجل.
كم تمنينا أن ينكسر الحاجز النفسي حتى لا يراهن أحد مجددا على نضج الشارع ومدى قبوله للمرأة حتى لا يعيد التاريخ نفسه مجددا في 2010 وتدفع المراة ثمن الفروض من جديد من خلال عملية إقصائية واتهامات بالجملة توجه للشارع في فروض مسلم بها دون الحاجة إلى تجريب أو حتى ملاحظة.
الجهات الرسمية تبدو أكثر عملية من الجهات الشعبية فهي بغير حاجة إلى وضع فروض تأخرها عن تحقيق أهدافها لأشهر فكيف لها أن تضع فروض تؤخرها لأربع سنوات على أقل تقدير إذا لم تكن 8 سنوات إذا ما سيطرت العقلية التشاؤمية على صوغ فروضنا غير الواقعية.
كان الأحرى أن يكون هناك تحدٍ على إيصال المرأة الى قبة البرلمان فالتشخيص الأولي هو الذي يقودنا إلى وضع خطط واستراتجيات تلاءم الواقع سعيا لإيجاد نتائج أفضل، فالكر يبقى في كثير من الاحيان أكثر نفعا من الفر، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وسنظل نكرر ذلك حتى لا يتكرر المشهد من جديد.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ