لم يكن تحذير النبي محمد (ص) من العهد القادم ووصفه إياه بـ «الملك العضوض» منطلقا من فراغ، فقد شهد عصر معاوية - بحسب تأكيدات كثير من المؤرخين - حمل أول رأس في الإسلام وهو رأس الصحابي عَمْرو بن الحمق الذي ألقي في حِجْر زوجته المسجونة آمنة بنت الشريد، فيما كان رأس الحسين بن علي أول رأس يرفع على رمح في الإسلام، وفي ذلك إشارة واضحة على علامات عهد البطش والتنكيل الذي ألقى بظلاله على تاريخ المسلمين، وصبغ صفحاتهم بلون الدماء الحمراء التي لم تستطع حُمرة الليالي الخمرية إخمادها أو رحض عارها!

«الرأس» بوصفه رمزا كان حاضرا ولايزال بقوة في لوحات المرسم الحسيني وجميع اللوحات المرتبطة بذكرى عاشوراء على متسع العالم الإسلامي، كما تأثر بذلك الأدب العربي (شعرا وقصّة ونثرا).

حزّ الرأس سلوك اتبعته كثير من الأمم السابقة باعتباره شاهدا على الظفر بالعدوّ، إلا أن اللافت في حادثة كربلاء هو تكبير العدوّ ثلاثا حينما فصل رأس ابن بنت النبي محمد عن بدنه! ما دعا أحد الشعراء إلى الاحتجاج على ذلك بقوله:

ويكبّرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

ولم تقف القضية عند قطع 78 رأسا لشهداء كربلاء، بل عمد قوّاد الجيش إلى جعل الرؤوس في أوساط المحامل أمام السبايا ليطاف بها وبهم في شوارع الكوفة وأسواقها، وتحسّبا لأي هيجان أو فلتان عاطفي؛ تم نشر 10 آلاف فارس لبسط الأمن!

التاريخ له وقفته عند رأس زعيم الثورة الإمام الحسين بن علي (ع)، إذ يذكر الشهود أن رأسه أزهري قمري أشبه الخلق برسول الله (ص)، ولحيته كسواد «السّبْح» (حجر شديد السواد)، قد نصل بها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والريح تلعب به يمينا وشمالا. ويروي الصحابي زيد بن أرقم (رض) عجيبة من عجائب ذلك الرأس: «مرّ عليّ وهو على رمح وأنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ الآية: (أَمْ حَسِبْتَ أَنِّ أَصْحَابَ الكَهْفِ والرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبا) (الكهف: 9)، فوقف شعري عليّ، وناديتُ: رأسك والله يا بن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب».

لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا

يكسوه من أنواره جِلبابا

يتلو الكتاب على السِّنان وإنما

رفعوا به فوق السِّنان كِتابا

محمد المخلوق