العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ

القزويني... بقية السلف المنبري و«شعراوي» الحائر الحسيني

درس في كربلاء والأزهر وبنشاطه وتفسيره المحاكي للواقع

إذا استوقفتك قناة «الأنوار» يوما وأنت تتصفح القنوات الفضائية، فربما ستجده بشيبته وجلسته المتواضعة يصدح على منبره وسط الحائر الحسيني بكربلاء، ماسكا نسخة القرآن الصغيرة بيده، وحوله لفيف من زوار الحسين (ع)، يستمعون بشغف لتفسيره القرآني الذي تميز بمحاكاته للواقع المعاش مع ربطه بالروايات والأحاديث الشريفة. أسلوب تفسيري متميز لفت أنظار الكثيرين بسلاسته وسهله الممتنع، حتى شبهه البعض بـ «شعراوي الحائر الحسيني» لما التقيا فيه من طريقة التفسير المنبرية.

السيد المرتضى القزويني... علم من أعلام الخطابة، وأستاذ من أساتذة المنبر المخضرمين... وواحد من طبقة الخطباء التي يرمقها الجمهور بعين التقدير والاحترام. ويُعتبر اليوم - كما يصفه صاحب معجم الخطباء - «بقية السلف الحسيني المُصلح»، فهو عاصر الشيخ عبدالزهراء الكعبي، والشيخ هادي الخفاجي، والسيد محمد كاظم القزويني، والسيد حسين الشامي ،وغيرهم.

ولد القزويني في كربلاء العام 1930 (1349 هـ)، ودرس على يد أكابر أساتذة علوم الشريعة، وانتسب للحوزة العلمية في كربلاء وتميز في قراءة المقدمات ودراسة السطوح، ثم انتقل إلى مرحلة الدراسات العليا والأبحاث الخارجية، فحضر بحوث المراجع العظام مثل السيد الميرزا الشيرازي، والشيخ الخراساني، والسيد الميلاني. وأجازه عدد من كبار العلماء مثل: السيد عبدالحسين شرف الدين صاحب «المراجعات»، والبحاثة الشهير بـ»آغا بزرك» صاحب «الذريعة»، وشهدوا له بالنبوغ، وخرّجت حلقاته الحوزوية نخبة من رجال العلم والأدب والخطابة.

شد رحله العلمي نحو الأزهر الشريف في مصر، غير أن ظروفا خاصة حالت دون إتمام بحوثه حتى اضطر إلى العودة إلى وطنه، وولج ميدان الخطابة وهو في أوائل العقد الثاني من حياته (1942 - 1361 هـ) على يد خاله المرحوم الخطيب السيد محمد صالح القزويني. وذاع صيته في العراق وإيران والخليج وسورية ولبنان وأوروبا وأميركا وغيرها من أقطار العالم.

للسيد المرتضى تاريخ جهادي ودعوي ابتدأ من عهود المد الأحمر الشيوعي الذي واجهه مواجهة ساخنة ومصيرية وأعلن مقاومته على المنابر مرددا فتوى السيد محسن الحكيم «الشيوعية كفر وإلحاد»، ثم مناهضته الصريحة لنظام عبدالكريم قاسم، ويذكر له البعض موقفا شجاعا من عبدالكريم قاسم حين رفض الجلوس على مائدة الإفطار التي أعدّها لوفد العلماء في شهر رمضان المبارك سنة 1960، إذ خرج غاضبا ومحتجا بشدة على موقف قاسم المشين من الإسلام ومن أحكام الشريعة، وعلى إثر ذلك اعتقله النظام القاسمي فكان أول رجل دين في العراق يدخل المعتقل السياسي في بغداد. وتلا ذلك نفيه إلى زاخو، ثم إلى تكريت في شمال العراق. ويقول القزويني عن تلك المرحلة: «اعتقلت عدة مرات في عهد اشتداد المد الشيوعي زمن قاسم، وكانت عمامتي - كما كنت أقول دائما - أول عمامة دخلت السجن، ففي 1959 اعتقلت لمدة شهر كامل».

أما عن هجرته من العراق فقال: «خرجت إلى الكويت مباشرة وبقيت فيها حوالي 8 سنوات إلى أن قامت الثورة الإسلامية في إيران فهاجرت إليها». وبادر البعثيون بعد هجرته إلى إصدار حكم الإعدام عليه غيابيا وهو في المنفى، وصادروا منزله في كربلاء ومارسوا ضده أنواع التعسف كان آخرها اعتقال والده برغم شيخوخته وإيداعه السجن وظل مجهول المصير.

وتنوعت أنشطته الدعوية بين إنشاء معهد الدراسات الإسلامية في جنوب كاليفورنيا ومقره في لوس انجلوس، وإنشاء مسجد وحسينية الزهراء هناك، وهو يلقي دروسه ومحاضراته في قاعاتهما باللغات الثلاث العربية والفارسية والإنجليزية. ومساهمته في إنشاء مسجد الإمام أمير المؤمنين (ع) في مدينة سان دييغو، ومدرسة مدينة العلم وهي أول مدرسة إسلامية في ولاية كاليفورنيا. وعن نشاطه يقول: «في 1985 وبدعوة من منظمة العمل الإسلامي سافرت إلى أميركا لإلقاء المحاضرات والدروس الدينية على شباب الجالية المسلمة، وقد نظموا لي برنامجا في 11 ولاية أميركية، في نهاية البرنامج ألحوا عليّ بالبقاء في أميركا لسد حاجاتهم الثقافية والعقائدية، باللغة العربية والفارسية وفعلا في السنة التالية لما جاءتني الدعوة وكنت في إيران أشتغل بالتدريس في مدرسة الشهيد مطهري، وكنت قاضيا كذلك ورئيس محكمة، وكنت ضمن المجلس الأعلى مع السيد الحكيم والسيد الهاشمي، رفضتها في البداية إلا أنهم ألحوا عليّ كثيرا وشعرت بحاجتهم الماسة لذلك فقبلتها وقدمت استقالتي من المحكمة غير أن الأخيرة رفضتها، ولكن بعد إصرار كبير منّي ومرور سنة كاملة على طلبي من دون تراجع اضطرت المحكمة لقبول الاستقالة أخيرا وسافرت إلى أميركا وهناك بدأت نشاطي الدعوي. وانطلقت من شقة استأجرتها للسكن والاجتماع لإلقاء الدروس والخطب ثم تطورت الأمور شيئا فشيئا، وبمساعدة المحسنين من أهل الخير اشترينا كنيسة وحوّلناها إلى مسجد الزهراء، ثم بعد ذلك أسسنا مدرسة الإمام الصادق (ع) (تسمى رسميا مدرسة «مدينة العلم») وتتألف من الأقسام الابتدائية المتوسطة، الإعدادية. بالإضافة إلى الدراسة الأكاديمية هناك دراسة دينية في علوم القرآن والفقه والأخلاق والعقائد».

أما عن آثاره العلمية فبرز كتاب «نظام الزواج والأسرة» و»إلى الشباب» وغيرها من الكتب والبحوث والمقالات. ومازال السيد المرتضى يزاول الخطابة في الحائر الحسيني، إذ يتابع كثيرون في أنحاء العالم محاضراته وتفسيره القرآني عبر التلفاز.

العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً