يعتبر كتاب «الحسين في الفكر المسيحي» لمؤلفه الأديب السوري المسيحي أنطون بارا أحد نماذج التقاء الفكرين الإسلامي والمسيحي في إحدى أكثر القضايا العقائدية أهمية، إذ يتفقان على أمر واحد مشترك هو الحق وتلبية نداء الرسالة والنضال في سبيلها.
والكتاب جهد مميز ترجم إلى 17 لغة، وهو مقرر دراسات عليا (ماجستير ودكتوراه) في خمس جامعات. وعرض بارا في بحثه لوجهة نظر مسيحية، فهو ليس مسلما حتى يقال إنه تأثر عاطفيا بالفاجعة، ولا هو بمستشرق ينظر إليها كأية مرحلة تاريخية محضة، ما يضيف للعمل قيمة أكبر، على رغم المسئولية المضاعفة التي يتحملها الكاتب المسيحي عند تناوله لسيرة أحد أعلام المسلمين. ويعتبر بارا كتابه هذا أحد أفضل مؤلفاته، ويقول: «سيظل أفضل ما كتبت وهذا شرف كبير لي».
المسيح يتنبّأ بشهادة الحسين
يؤكد بارا أن المسيح (ع) تنبّأ في زيارته لكربلاء باستشهاد الحسين (ع)، ولعن قاتليه وأمر بني «إسرائيل» بلعنهم، وحث على القتال معه، بإيضاح أن الشهادة معه مثل نظيرتها مع الأنبياء، وطالب من يدرك أيامه بالقتال معه. وقبل موته وعد بإرسال مؤيّد يشهد له بين البشر، وجزم بزيارة كل الأنبياء لكربلاء «ما من نبي إلاّ وزارها».
يبدأ بارا كتابه بالتعريف بثورة الإمام (ع) بقوله: «هي حكاية الحرية الموءودة بسكين الظلم في كل زمان ومكان، وجد بهما حاكم ظالم غشوم لا يقيم وزنا لحرية إنسان ولا يصون عهدا لقضية الأحرار تحت أي لواء انضووا وخلف أي عقيدة ساروا». ويعتبر بحثه دليلا شاهدا على إنسانيتها لاشتراكها في دين واحد يرتكز على ثوابت إلهية واحدة، مؤكدا تقديس الفكر المسيحي العربي لآل البيت (ع) كتقديس المسلمين.
في الفصل الأول يتحدث مؤلفنا عن ضمير الأديان، وقضية المعين المشترك للأديان السماوية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وهو الوحي الإلهي. ويصف ثورة الحسين (ع) بالسفينة التي مخرت عباب الباطل، ويبدي تعجبه من استمرارها لقرون على رغم ثقل حمولتها المتزايد. مؤكدا أن ذبح الحسين (ع) صان دين الله الواحد من الانتهاك وأرسى للبشرية مجدها الذي ترتع في نعمته الآن.
ويشرح سبب اختياره الحسين (ع) عنوانا لكتابه قائلا: «أيكره أحدنا الحق ورافعي لوائه؟... ولم لا يحب المؤمن أيا كان دينه من أحبه النبي (ص) واعتبره بضعة منه واعتبر نفسه جزءا منه»، وتساءل «أيرفض مطلق إنسان -لاسيما إذا كان مسيحيا - أن يكون ذلك المؤمن الذي ترقد في قلبه حرارة قتل الحسين التي لا تبرد أبدا تيمنا بقول الرسول الكريم».
أكبر ثورة في تاريخ الأديان
ويعتبر بارا في الفصل الثاني أن الملحمة الحسينية كانت الحدث الوجداني الأكبر لأمة الإسلام، وقد فاقت المستوى الملحمي لأسباب كثيرة، فهي أول ثورة في تاريخ الإسلام والأديان، وريادتها لأنها مهدت لروح ثورية انطوت عليها صدور المسلمين، كما أنها وحيدة استحوذت على ضمائر المسلمين فيما خلفته من آثار عقائدية ضخمة وخالدة لأنها إنسانية أولا وآخرا، انبثقت من الإنسان وعادت إليه ملطخة بالدم الزكي ورمزا للشهادة المثلى، وأضاءت للأمة الإسلامية درب نضالها.
واختار بارا أن يرد في هذا الفصل على من أسماهم «المغرضين»، سواء من المستشرقين أو حتى من المسلمين الذين يعتبرون ثورة الحسين عاطفية مرتجلة فحللوها بصورة خاطئة، فيرد بقوله: «من يقولون إنها ثورة مرتجلة ينكرون تدابير الحكمة الإلهية ويستهينون بنبوءات الرسل والأنبياء عن قتله في فلاة كربلاء ذبيحا وعطشانا ومداسا بحوافر الخيل، ويستهينون بما جاء على لسان الوصيين والأبرار».
ويعرج على من ينظرون إلى الحسين بقصر نظر «ألم يعوا كيف تحولت الملحمة العظيمة بتقادم العهد عليها إلى مسيرة وكيف صارت الشهادة التي أقدم عليها الحسين وآل بيته وصحبه إلى رمز للحق والعدل؟ الحسين(ع) ثار من أجل الحق والحق لكل الشعوب، ومن أجل مرضاة الله... فثورة الحسين لا تختص بأحد بل هي لكل خلق الله المظلومين والمضطهدين من كل العقائد والبقاع».
أسباب الثورة
كما تناول بارا أسباب الثورة البعيدة والقريبة، واضعا في اعتباره الجذور التاريخية، فالصراع الموروث والتخاصم الحاد منذ عهد الجاهلية الأولى بين الهاشميين والأمويين بدأ بشرارة بين هاشم وأمية امتدت بين محمد(ص) وأبي سفيان، واستمرت إلى عهد علي ومعاوية، وانتهت بعهد الحسين ويزيد: «الهاشميون والأمويون من أرومة واحدة إلا أن أخلاقهم مختلفة، فبنو هاشم أخلاقيون أريحيون بينما كان بنو أمية نفعيين دهاة لاسيما من كان منهم من أصل عبد شمس... واختلاف الأخلاق هو الذي حدد مسار أجيالهم المقبلة». وذكر الأسباب القريبة للثورة في عهد يزيد «الذي كان مثالا لابن السلطان المدلل المنحرف. أحمق، حاقد، متهور، موفر الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء وكلاب الصيد التي كان يلبسها أساور الذهب والجلال المنسوجة فيه ويهب لكل كلب عبدا يخدمه، وساس الدولة سياسة مشتقة من شهوات نفسه». رجل بهذه الصفات من غير الممكن أن يسكت عن معايبه رجل كالحسين(ع).
العدد 1606 - الأحد 28 يناير 2007م الموافق 09 محرم 1428هـ