من الملاحظ أن النيابة العامة لديها مكاييل عدة لتصنيف القضايا المتعلقة بالأمن والسلم الأهلي، فإن اعتقدت بأن هناك ما يمس بأمن الدولة، فيكون تحركها جديا وحاسما، أما إن حدث مساس بأمن المجتمع، فلا ترى غير التسويف والفتور واللامبالاة، فتقديم المتهمين في قضايا الحث على كراهية النظام وقضايا حرية النشر والتعبير وتداول المطبوعات، فعادة ما يرافق ذلك استبسال وكلاء النيابة العامة واستعراضهم لعضلات مواد قانون العقوبات، بما يكفي لإيقاع أقسى عقوبة ممكنة في حق المتهمين، وعلى النقيض تماما، فالجرائم المتعلقة بدماء الناس وأعراضهم وأموالهم، وجرائم أخرى تحرض على ازدراء الملل والمقدسات ونشر الفتن الطائفية في المجتمع الواحد، فيكون الموقف حفظ القضية في أدراج النيابة العامة لعدم كفاية الأدلة، أو تكييف الدعوى بشكل خاطئ وغير احترافي لإحراج القضاء بعد ذلك بحجة عدم النزاهة.
الأمثلة كثيرة ولا نريد الهاء الرأي العام بقضايا سابقة، تحولت فيها الإدانة إلى براءة، وتبعثرت الجريمة في زوايا جنحة صغيرة، وما أثار الناس حديثا ذلك الحكم الصادر بحق القاتل في فريق البنعلي بمدينة المحرق بعد اعترافه بجريمته البشعة، والاكتفاء بسجنه مؤبدا لا إعدامه، وذلك بعد ثبوت التهمة عليه بظروفها المشددة، ولا نريد أن نتحدث عن قراءة هيئة المحكمة لوقائع القضية، فلا سلطان على القضاء وسير عدالته، سواء كان من الحاكم أو المحكوم، وهو الأمر الذي ينبغي التشديد عليه للفصل بين السلطات الثلاث، ومن زاوية أخرى، يجوز تقييم أداء النيابة العامة ابتداء من عملية التحقيق في قتل الشاب مهدي عبدالرحمن، والقبض على الجاني بسرعة مذهلة، ثم التعتيم على المصدر الذي زود القاتل بالمسدس أداة الجريمة، والأدهى من ذلك، أنه لم يصل إلى مسامعنا تقديم مرافقي القاتل في السيارة كمتهمين أو كشهود إثبات في هذه الجريمة!
لقد ذكرت في مقال سابق بعنوان «رصاصة الغدر» الفقرة التالية « نأمل من النيابة العامة أن يحالفها التوفيق ويصون خطواتها الحق في تكييف الدعوى بشكل صحيح فيما يتعلق بسبق الإصرار والترصد، بما يمكن القضاء من التطبيق الفعلي بظروفه المشددة للمادة (333) من قانون العقوبات على القاتل»، وهو الهاجس الذي تخوفنا منه وتحقق بعد تقصير النيابة العامة في وصف الجرم وتطابقه مع أحكام المادة المذكورة أعلاه، ولا يرضى أي مخلص في هذا البلد بأن يشار للبحرين كدولة تطبق عقوبة الإعدام على الأجانب، بينما يكون السجن من نصيب المواطن البحريني إن اعتدى على أرواح الناس، ليخرج بعد أعوام قليلة نظير حسن سلوكه والتزامه أو حتى تدينه المفاجئ، أو حصوله على عفو يعيد الغليان في دماء القتيل، ويجدد الحسرة في قلوب زوجته وأبنائه ومحبيه.
كما توجد في دول عربية نيابات مختصة للجنايات والأموال العامة وأخرى إدارية، فينبغي لنيابتنا العامة في هذه المرحلة الانتقالية أن تعيد النظر في جودة أدائها وكفاءة كوادرها واستقلال شخصيتها، والنأي بدورها المطلوب لحماية الدولة والمجتمع عن إرهاصات الأمزجة الأمنية، والابتعاد عن ممارسات بعض المتنفذين لإرهاب الناس وحجب الحقيقة عن صانع القرار.
إن ثبوت حال الحيازة الطبيعية للمسدس أداة الجريمة، بطلقات معدة ومهيئة للاستخدام دفاعا أو هجوما دون ترخيص من الجهات الأمنية المختصة، فذلك يعزز الروح الانتقامية للمتهم، والاستعداد لاستعادة ما يراه حقا عن طريق استخدام السلاح الناري بترصد مبيت، وسبق إصرار قد رافق تلك المطاردات التي قام بها القاتل وباتجاه القتيل، كما أن المسافة القريبة بين أداة الجريمة وجسد القتيل تؤكد على القصد الآثم لتوجيه إصابة مميتة في صدر القتيل، علاوة على الظرف المشدد إن كان القاتل واقعا تحت تأثير المخدرات أثناء ارتكاب الجريمة.
ينتظر الرأي العام استئناف جريء ودفوع ساطعة وبينة تهدي القضاء، فالقصاص عدل ورحمة، ومعمول به في دول ديمقراطية علمانية، ونحن أولى بأن نطبق أي قانون لا يتعارض مع الدين، فقد قتل ذلك الشاب مظلوما، ولا ينبغي لوليه أن يكون له سلطان في دولة القانون والمؤسسات.
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ