ببساطةٍ... ورّطها بغبائه! هذا ما يمكن قوله باختصار!
لم تكن هي ستلقى ترحيبا في أيّ مجلس شعبي أو منتدى سياسي، في محافظة العاصمة أو الشمالية أو الوسطى، لهذا فضّلت الهروب إلى محافظةٍ يجهلها أهلها، فتستغل طيبتهم وأريحيتهم لإلقاء القنابل الطائفية، وتفجير الفتن.
لو جاءت إلى العاصمة أو الشمالية أو الوسطى، وألقت بعض ما ألقت من أكاذيب وترّهات، لسد الناس أنوفهم احتقارا، لكنها اختارت أن تستغفل أهلنا الطيبين في تلك المحافظة الحبيبة وأهلها الكرام.
تتحرّك وتكتب وتحاضر بعُقَدها، اختزلت العالم كله في صدام حسين، فلم تعد ترى أميركا أو «إسرائيل» أو كارتلات النفط وشركات الأسلحة التي تخطط للحروب. العالم كله «صدام»، وما دون ذلك فدول متآمرة وخونة وحكام عرب متواطئون وعجمٌ صفويون.
في كل عام تلعب بنار الفتنة مرة أو مرتين، وسيشهد لها التاريخ ببراعتها الكبرى في سرقة الآثار الأدبية والفكرية، وخصوصا سرقة كتب علي شريعتي لتوظفها في معركة أحقادها، لتستدرج بمناوراتها وخططها البعثية شعب البحرين الآمن إلى محرقة الطوائف التي يخطط لها البيت الأبيض في هذا الشرق الأميركي التعيس.
قبل عام، وفي مثل هذا الموسم الديني الثقافي، أرادت تفجير الوضع من خلال شتم أكبر مرجعية إسلامية شيعية باتهامه بأنه «جنرال أميركي»! منتهى البذاءة والإسفاف والاستخفاف بالعقل. فالرجل ليس من أبناء الدنيا، يعيش في خرِبةٍ بأحد أزقة مدينة النجف، لا يطمح لكرسيٍّ في الدنيا، وكل همّه أن يلقى ربّه غدا خفيف الظهر لئلا يطول حسابه على الصراط.
رجلٌ بلده تحت الاحتلال، رفض أن يقابل أي مسئول أو سفير للمحتل، لكنها اعتبرته «جنرالا أميركيا». كيف؟ الأغبياء وحدهم هم الذين يعلمون حل هذا اللغز!
رجلٌ قال عنه وزير الثقافة اللبناني السابق غسّان سلامة قبل عامين: «عندما تكون في موقع المسئولية، عليك أن تتعامل مع مشروع الطرف الآخر بأقصى درجة من المسئولية لئلا تدفع الثمن غاليا». وتساءل: «ما هي تهمة السيستاني؟ التعامل مع مشروع الطرف الآخر بحكمة؟»، وأجاب بنفسه: «إنك تثبت أنك رجل دولة مسئول، وهذا هو عنوان الحكمة والحنكة، وفهم موازين القوى... ويجب ألا يستخدم ذلك في التقليل من قيمة الحكيم الذي يعرف موازين القوى».
هذا ما قاله سلامة، رجل العلم والثقافة، الذي يقرأ الواقع السياسي بعين البصير، أما ناقصو العقل والفهم والدين، فاعتبروه جنرالا أميركيا! ومع ذلك مرّت تلك الإهانة إيثارا للصمت، وترجيحا للمصلحة الوطنية العليا. لكن الإشارة فهمت تشجيعا على مزيد من الإهانة والإيغال في تحقير البشر والاستهانة بكرامات الناس.
ولأن: لكل داءٍ دواءٌ يستطاب به
إلاّ الحماقة أعيت من يداويها
فإنها نقلت المعركة من البشر إلى الحجر... ومن ورائها البنية الاجتماعية والثقافية لجزء رئيسي من مكونات هذا المجتمع العربي المسلم. فالمآتم ليست أحجارا وأبوابا وسُقُفا من الأسمنت، وإنما مؤسسات خدمت وتخدم هذا البلد، وتضخّ في عروقه فكرا إسلاميا ووعيا وطنيا وتطلعاتٍ نحو الرقي الروحي والأخلاقي. من هنا كانت هذه الغضبة الجماعية من هذه الإهانات المتراكب بعضها فوق بعض.
جمعيتها تخلّت عنها حتى أن رؤساءها سفّهوها علنا، فليس هناك عاقلٌ مستعدٌ أن يحارب نيابة عن غبي. جمعيةٌ أخرى أعلنت مقاطعتها والبراءة من حماقاتها، حتى الليبراليون الذي سعوا إلى تشكيل حركةٍ تعبّر عن آرائهم، أجهضتها بتصريح أحمق. الوحيد الذي وقف معها من بين 700 ألف بحريني، وأشاد بعبقريتها على مدى يومين، هو الذي أوقعها بغبائه في الفخ!
يطالبونها اليوم بالاعتذار، وهي لن تعتذر، وستركب رأسها وتتهم الناس بتحريف كلامها، فالعبارة المنسوبة لها «ليست دقيقة»، فهي لم تذكر شيئا عن المآتم في البحرين، وإنما عن منطقة الخليج، ولأن البحرين دولةٌ اسكندنافيةٌ وليست خليجية، فإنها تعني المآتم في جزر الكوريل وخليج ملقا وبحر البلطيق!
هذا الصنف الحزبي العاكف على عبادة القائد الإله، ورضاعة ثقافة الكراهية والإقصاء والتهميش وتحقير الشعب، لم يتعلّم ثقافة الاعتذار ولا يمتلك شجاعة التصحيح. لا تنتظروا اعتذارا... وإنما مزيدا من الغطرسة الصدّامية والإسفاف!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ