العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ

الشمر أم شارون؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في إحدى ليالي السبت من العام الماضي، كنت في أحد مجالس المملكة التي يزورها ويحضرها كالعادة أفراد من مختلف فئات المجتمع البحريني وطوائفه الكريمة للتباحث في مختلف القضايا السياسية وأمور الشأن العام وغيرها من مسائل.

وساد بين الحضور جو من المرح والفكاهة وتبادل النكات والحكايات الشعبية الدارجة بين رواد المجلس وضيوفه لترطيب الأجواء والتخفيف من احتقان الجو السائد بفضل أحاديث السياسة المحلية والدولية وأفاعيلها الوبيلة في النفس البشرية.

وقد بادر أحد الحضور وهو وجيه ومسئول رفيع المستوى بالدولة، وينتمي إلى الطائفة الشيعية الكريمة برواية إحدى ذكرياته الطريفة، التي تدور حول سؤال وجهه له أحد معارفه وهو:

«أيهم أشد سوءا وشرا برأيك، الشمر أم شارون»؟!

وقبل أن يواصل الضيف العزيز سرد ذكراه، توقف قليلا ليقدم اعتذاره لنا وللحضور من أهل السنة والجماعة قائلا: بالإنجليزية الأميركانية «Sorry»، وذلك مخافة أن يتسبب بتلك المقارنة في توجيه إهانة واستهزاء بالحاضرين من السنة والجماعة عبر مقارنته للشمر بن ذي الجوشن برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون!

وهو ما أدى في حينه إلى استغراب شديد من الحضور المعنيين من مثل هذا الاعتذار الذي يضعهم في خانة داعمي ومؤيدي و«عزوة» الشمر، وشركائه في الجريمة والعياذ بالله، فأي مؤمن وأي مسلم حقيقي كان ليقف هذا الموقف المخزي والمشين؟!

مثل هذا الاعتذار الفريد من نوعه لاقى ما لاقى من استغراب واستنكار الحضور قبل إتمام الرجل لحكايته الطريفة «إحنه شنهو ذنبنا؟»، و»شنهو علاقتنا بالشمر أصلا؟»، «هل تحسبنا وأجداد أجدادنا من قبلنا واقفون ضد آل البيت الأطهار والعياذ بالله من ذلك؟!»، بل إن بعض الحضور انفجر ضاحكا من الاعتذار، إذ شر البلية ما يضحك، فمثل هذا الاعتذار يشير صراحة إلى ترسخ نوع من سوء الفهم التاريخي داخل الجسد الإسلامي الواحد بين عضوين رئيسيين من أعضائه، يدفع بكليهما إلى انتفاء الانسجام والتوافق وإتمام صحة وعافية هذا الجسد، الذي يظل مكابدا علته الشقية وعظيم مبتلاه طوال هذه القرون!

وكأنما لم يعد هنالك من فرد مهما بلغ من عمر، ومهما تحصن من علم وخبرة ودراية ووعي من تلك الأخطاء التاريخية المتوارثة والمتراكمة إلى درجة أنها تمس بضراوة الوعي الجمعي للشعوب، وتفرق بينهم طائفيا وحركيا على رغم كونهم أبناء حضارة وثقافة واحدة متنوعة وثرية بينابيعها ومناهلها المختلفة!

وفي حال الاختلاف الطبيعي والفراق المؤلم بين أهل السنة والجماعة والطائفة الشيعية الكريمة فإن ما تنبغي الإشارة إليه هو أن مثل هذا الاختلاف يراه الباحث الواعي والمطلع الحصيف في جوهر حقيقته في كونه لا يعدو عمومية على أن يكون سوى خلاف فقهي اجتهادي - سياسي ذي أبعاد تاريخية ابتدأت سياسيا بين شيعة الإمام علي (كرم الله وجهه) وشيعة الصحابي معاوية (رض)، وانتهت بانتهاء تلك الحقبة الدراماتيكية المؤلمة من التاريخ الإسلامي.

وليس هو كما يحب أن يصوره بعض الموبوئين وغلاة الطائفيين من الجانبين على أنه خلاف وجودي حضاري أزلي بين فسطاطين لا ثالث لهما، وهما فسطاط الحق والحقيقة وفسطاط الكفر والضلال!

أفيقوا، إن كنا جميعا مدينين أبد العمر بالحب والعرفان الأزلي لآل بيت النبوة الأطهار (رضوان الله عليهم أجمعين)، فعلام ديمومة الاختلاف والخلاف؟!

وإن كنا نتحد ونتوثق من الانتماء الحميم للتراث ذاته، فلماذا تنعدم الثقة بيننا إلى حد يتحسس الواحد منا أطراف ظل أخاه، إذا ما أوشكا أن يتقاربا صدفة في منتهى إحدى الطرقات واللحظات العابرة؟!

وإن الأمور العالقة والمتراكمة تاريخيا إلى حد يغشي فيه الأبصار، ويسد الشرايين التواصلية الحضارية في الجسد الواحد، ليعوق مرور دماء أمة محمد فيها، لا يكون حلها إلا عبر مباحث إعادة النظر والتأويل والتنقيب في جذور الأمور وعواقبها، ليتم بمقتضاها تجديد الخطاب الديني وإعادة تأصيل الكثير من المفاهيم والمشتركات القيمية المطمورة، وتجاوز خلافات تاريخية انقضت وعفا عنها الزمن، ولم يعد هنالك من جدوى لإعادة الحفر والتنقيب على أمل العثور عليها فيما يضر بمصالح الأمة ككل، ويعود بها إلى الوراء من جديد.

ولا يقوم بمثل تلك المهمة الضرورية، ولا يؤدي تلك الفريضة النورانية الغائبة إلا من هو جدير بها ممن اتسع لديه العلم والاطلاع وتعالت وتسامت غاياته ومراميه الذاتية عن ضيق المصالح المهلكة!

مما لا شك فيه أن ما يحتاج فيه الإخوة المسلمون هو المصارحة تلو المصارحة، والانفتاح على الآخر قدر الإمكان وإعادة تداول الأفكار والمفاهيم والمعارف من جديد أيا كان بحر الاختلاف حولها وبينها، وأن يكون كلا منهم في ذلك قائدا لنفسه تحت قيادة علماء أفاضل ومراجع ثقات أجلاء نقدرهم ونعتز بهم!

لا أن تكون تلك الاختلافات موردا وساحة لممارسة الارتزاق السياسي والاتجار بنضالات الشعوب الأهلية والمدنية، وأن تشيد على الأضلع المكسورة والدماء المسفوحة إمبراطوريات من الذهب والفضة!

لا داعي إلى التذكير بأن حال المغالي والمتطرف أكال السحت والقشور في هذه الدنيا، مهما كانت صوابية ما يؤمن به، كحال البخيل الذي يعيش فقيرا ويموت فقيرا كما وصفه الإمام علي (كرم الله وجهه)، إذ إن شدة التطرف تميت الحقيقة بعدما تقطع أوردتها، وتنتهي بالفرد إلى أن يموت جوعا وعطشا وسط توافر كل أسباب النعيم والعيش الرغيد!

ما الذي يدفعنا شعوبا مسلمة إلى تأبيد أسباب الشقاق وتأزيم الشقاء، والنأي صوب الزوايا الحادة، على رغم كوننا أمة جهاد موحدة بالهم الأممي والحزن الرسالي القدري في النهوض بهداية البشرية إلى دنيا الاعتدال والصلاح وتحطيم سائر الأوثان؟!

كما أننا وحتى في ربوع الوطن الواحد يوحدنا الوضع المعيشي المأزوم والجمود التنموي واقعا وفكرا، والتردي المدني الحضاري!

ومع انتعاش الحب لسيدنا الحسين، واعتزازنا بالانتماء الوجداني الإسلامي لمدرسته في البطولة والعزة والفداء والنصرة للحق، فإننا ووسط زحمة الطرقات المؤدية إلى المهالك الفئوية والطائفية والخرائب الأموية لتؤرقنا المطالبة باقتفاء السبيل الأوحد إلى الحج ناحية أجنحة الوطنية، وهجران خنادق الطائفية، وهو ما لا يختلف عن المنهاج النير لمدرسة الفداء الحسيني المكللة بالتضحيات في سبيل الدين والأمة!

فليس غريبا أن تصادف المساعي الوطنية في رحلتها الحسينية المضنية خناجر الغدر والنفاق، وتجابه نحرا سيوف ونيران الطغاة والجلادين والإمبرياليين!

وفي مثل هذا الوضع المأزوم محليا وإقليميا، ونحن نقف أمام تداعيات فتنة طائفية ومذهبية ذات مقاصد سياسية خبيثة كأني بسيدنا الحسين (رض) في العراق وفلسطين ولبنان، يقطع جثمانه الطاهر وتنتهك قدسيته بأيدي مرتزقة العساكر وتجار السياسة وأمراء الطوائف، وهو الحبيب ابن الحبيب (ص)!

إن ما نحن بحاجة إلى الرجوع إليه وقت الشدائد الطائفية، ونمو النعرات الانعزالية والانفصالية بتخصيب من أنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن، وفيما يخدم أجندة القوى الامبريالية الاستكبارية المتربصة بالجسد العاري المكشوف لهذه الأمة، هو أن يدرك الفرد منا أهمية ما قاله الإمام جواد الخالصي ذات مرة، ويستحضره في كل حادث بغم بدهيته «المسلم إذا صار مسلما حقيقيا فإنه سيكون شيعيا وسنيا في الوقت نفسه‏، باعتبار أن التشيع هو الولاء للرسول الكريم محمد (ص) وآل بيته، وهذا أمر لا يختلف عليه الناس‏،‏ والتسنن هو اتباع السنة النبوية، وهذا أمر لا يختلف عليه أيضا المسلمون العقلاء من البشر،‏ فنحن في هذه القضية متبعون لنهج آل البيت ولنهج وسنة رسول الله‏ (ص)».

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً