إن زيارة قادة جميع الفرقاء في الساحة اللبنانية يعتبر أمرا ملحا و قضية ضرورية لأي دبلوماسي يبحث عن الحقيقة الضائعة في إطار من التوازن لأداء عمله على أكمل وأتم وجه. و أن هذه الساحة اللبنانية تبقى مشرعة على كل الاتجاهات والانتماءات لمختلف الطوائف من مسلمين ومسيحيين.
أحد الأصدقاء الصحافيين الذي تربطني بهم علاقة قوية منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين قال لي لا تغرنك شعارات تلك الطوائف اللبنانية المتباينة دع عنك ذلك جانبا فكثير من المواطنين يتحول بقدرة قادر من موقف سياسي إلى ركن سياسي آخر وأن السياسة تقررها الطوائف وليس المبادئ والفكر القويم والتقويم الصحيح وهذا يشمل الانتقال من قطب طائفي لآخر. ولكن خلف شعارات الوطنية والتجمعات الحزبية تبرز أكثر بصورة واضحة وجلية الانتماءات الدينية سوى كانت إسلامية أو مسيحية ولعل أبلغ مثال على ذلك ما ردد من هتافات كثيرة أثناء تشييع جنازة الوزير بيار أمين الجميل مثل « يا بكركي صيحي صيحي جعجع هو المسيحي» هل يعلم ما اقترفت يداه من جرائم قتل لطوني سليمان فرنجية.
كان المقاتلون المسيحيون اللبنانيون خلال الحرب الأهلية اللبنانية قد رسموا بالوشم الواضح على أكتافهم علامات الصليب أو صور ورموز تعبر عن القوات اللبنانية المسيحية أو الكتائب وأورد هنا خريطة القوى المختلفة في لبنان في السبعينات من القرن العشرين كان الفلسطينيون في الساحة اللبنانية قوة كبيرة لا يستهان بها بمختلف فصائلهم هناك منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها ياسر عرفات وهناك جيش التحرير الفلسطيني ويضم العاصفة الجناح العسكري لحركة فتح و هناك الصاعقة يرأسها زهير محسن رئيس الدائرة العسكرية في منظمة التحرير خلال الحرب الأهلية لقد اتهمت جماعة زهير بالسطو على محلات السجاد الإيراني في بيروت و كان الرئيس السادات يطلق عليه متاع السجاد العجمي وقد اغتيل زهير خلال شهر يوليو/تموز من العام 1979 وهذا أمر متوقع بسبب الصراع الحاد على النفوذ داخل منظمة التحرير الفلسطينية وتتهم «إسرائيل» أو جبهات عربية ودولية وهناك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يرأسها جورج حبش ثم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي يرأسها نايف حواتمة وهناك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة ويرأسها أحمد جبريل وهناك أيضا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي منشقة عن القيادة العامة ويرأسها أبو العباس طيب الذكر والذي اتهم باختطاف سفينة الركاب الأمريكية كما أن لسورية جبهة النضال الشعبي التي يطلق عليها الصاعقة كما أسلفنا و للعراق جبهة التحرير العربي وإذا انتقلنا إلى الحركة الوطنية والتي ينضوي تحت إمرتها ما يطلق عليه جبهة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية ويتصدرها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه كمال جنبلاط والحزب القومي الاشتراكي السوري الذي يرأسه إنعام رعد وحزب العمل الاشتراكي العربي وحزب البعث العراقي والذي يرأسه عبدالمجيد الرافعي المرابطون والناصريون المستقلون الذي يرأسه إبراهيم قليلات والاتحاد الاشتراكي العربي الذي يرأسه كمال يونس جبهة المسيحيين الوطنيين وحركة المحرومين والتي تنضوي تحت إمرة الإمام موسى الصدر والسيد نبيه بري والحركة الشيعية الديمقراطية و تمثل الشيعة اليساريين وجمعية قدماء المقاصد الإسلامية والمنظمة الشعبية الناصرية يرأسها معروف سعد ثم من بعده ابنه مصطفى وجيش لبنان العربي المنشق عن الجيش اللبناني يرأسه الملازم أحمد الخطيب وجبهة القوى القومية والوطنية المؤيدون لسورية ومنظمة حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان يراسها عاصم قانصو واتحاد قوى الشعب العامل والتنظيم الناصري يراسه كمال شاتيلا ومنظمة الطلائع التقدمية اللبنانية يراسها محمد عيتاني الحزب القومي السوري وهناك الكتل الإسلامية كالتجمع الإسلامي والجبهة الوطنية الإسلامية ومجموعة الاتحادات والجمعيات الإسلامية كما أن السيد عدنان الحكيم يرأس جمعية النجادة كما أن هناك تمام صائب إسلام رئيس رواد الإصلاح وهناك نسور البقاع وحركة الشباب العلويين في طرابلس وجند الله...
أما القوات اللبنانية فينضوي تحتها حزب الكتائب اللبنانية الذي يرأسه الشيخ بيار جميل وحزب الأحرار ويرأسه الرئيس جميل شمعون وجيش التحرير الزغرتاوي المردة ويرأسه انطوان فرنجية وهناك عدد من التجمعات والحركات العابرة كجيش التحرير اللبناني وغيره إن هذه التنظيمات التي ذكرتها اشترك معظمها في الاقتتال في الحرب الأهلية اللبنانية وهناك أحزاب لم تشترك في القتال الذي دار آنذاك الكتلة الوطنية رأسها ريمون اده وحزب التحرير العربي الذي كان رئيسه رشيد كرامي والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان رئيسه كامل الأسعد وتجمع المسيحيين غير الملتزمين.
وفي يونيو/ حزيران مع بداية الحرب الأهلية جرى اقتتال شديد بين الكتائب والفلسطينيين وأدى إلى تدمير المنطقة التجارية والتي تضم باب إدريس والبرلمان وقد زرتها عدة مرات وبعضها أشبه بالخرائب. وتدخلت سورية كوسيط بين الجانبين إلا أن العراق العدو اللدود لسورية قوض تلك المساعي المبذولة. واتخذت ليبيا الموقف نفسه وأفشلت كل الجهود لإحلال السلام. وفي شهر يوليو1975 في أوتون اشتعال الحرب الأهلية تشكلت وزارة لبنانية برئاسة رشيد كرامي والرئيس كميل شمعون. وهما يمثلان الاتجاهات القوية في الساحة اللبنانية إلا أن كمال جنبلاط قد عارض هذا التشكيل الوزاري آنذاك . وأذكر و أنا عائد من القاهرة في يوليو 1974 حدث اغتيال في بيروت لمحمد النعمان رئيس الوزراء في اليمن الشمالي كما تم اختطاف الصحافي ميشال أبوجودة وأنا في بيروت في العام نفسه استولى الجيش التركي على نيقوسيا وقسم الجزيرة القبرصية إلى تركي و يوناني إنها بداية اللعبة الدولية في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ