على رغم خلافاتهما بشأن كيفية متابعة حرب الولايات المتحدة في العراق، يريد السناتور جون ماكين والسناتور باراك أوباما كلاهما أن يرسل المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان. كلاهما على خطأ. التاريخ يصرخ باتجاههما، ولكنهما لا يسمعان. يحسن كلا المرشحين صنعا إذا حملقا للحظة في لوحة للفنانة البريطانية إليزابيث بتلر وعنوانها «بقايا جيش»، تمثل جندي وحيد هو من تبقى من جيش بريطاني قوامه 1500 جندي أراد أن يعبر مسافة 150 كيلومترا من الأراضي الأفغانية المعادية العام 1842. يشكل جسد الجندي النحيل المتهالك والمهزوم تذكارا لا يمحوه الزمن عما يحصل للجيوش الأجنبية التي تحاول إخضاع أفغانستان.
ترتكز سياسة ماكين وأوباما تجاه أفغانستان، مثل معظم سياسات الولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط وأواسط آسيا على العواطف بدلا من الواقعية. تقود العواطف الكثير من الأميركيين لأن يرغبوا بمعاقبة مرتكبي جرائم 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وهم يرون الحرب ضد طالبان كأسلوب لتحقيق ذلك. كذلك يعتبر الاقتراح بأن النصر على الطالبان مستحيل وأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تأمل بالسلام مع أفغانستان إلا من خلال الحلول الوسطى مع قادة طالبان، على أنها شبه خيانة.
يتجاهل هذا التجاوب المفاجئ نمط الولادات المتغيرة التي طالما كانت جزءا من الحياة القبلية الأفغانية لقرون عديدة. تتحول الأخلاق مع تغير المصالح. لا يعتبر دعاة الحرب الذين ساندوا طالبان بالضرورة أعداء للولايات المتحدة. وإذا كانوا كذلك اليوم فليس بالضرورة أن يكونوا كذلك غدا.
بدأت هذه الحقيقة البدائية في الأسابيع الأخيرة تعيد تشكيل الحوار بشأن السياسة الغربية تجاه أفغانستان. التقى دعاة الحرب على الجانبين بهدوء في المملكة العربية السعودية. نادى وزير الدفاع الأفغاني بإجراء «تسوية سياسية مع الطالبان». لم يذهب وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى تلك الحدود، ولكنه قال إنه قد يكون في نهاية المطاف منفتح لفكرة «التسوية كجزء من النتيجة السياسية».
إلا أن غيتس وصل مرحلة الهذيان من البهجة المبنية على إمكانية تحقيق أمر ما، من خلال تكرار شعار ماكين وأوباما: يمكن للمزيد من الجنود الأميركيين تحييد أفغانستان. أكد غيتس، وهو يتحدث بعد أيام من تقرير استخباري وطني توصل إلى نتيجة أن الولايات المتحدة عالقة في «انهيار لولبي» هناك، أكد أنه «لا يوجد سبب لأن نكون انهزاميين أو أن نقلل من قيمة الفرصة لأن نكون ناجحين على المدى البعيد».
واقع الأمر أن النجاح البعيد الأمد في أفغانستان، الذي يعرّف بأنه مستوى مقبول من العنف وتأكيدات بأن الحدود الأفغانية لن تستخدم لشن هجمات ضد دول أخرى، لن يكون ممكنا إلا بعدد أقل من الجنود الأجانب على الأرض، وليس أكثر.
أنتجت سلسلة من الهجمات الأميركية التي لا تلين على أفغانستان «أضرارا جانبية» على شكل مئات الوفيات المدنية، ما يؤدي إلى عزل الأفغان الذين يحتاجهم الغرب. وطالما تستمر الحملة سيستمر انضمام المجندين إلى الطالبان. ليس صدفة أن الطالبان نموا بشكل واسع منذ بدء حملة القصف الحالية، فذلك يسمح للطالبان أن يدّعوا عباءة المقاومة أمام محتل أجنبي. ليس هناك ما هو مقدس أكثر من ذلك في أفغانستان.
كذلك تشكل الحرب الأميركية في أفغانستان أداة تجنيد للقاعدة، فهي تجتذب فيضا مستمرا من المقاتلين الأجانب إلى المنطقة. قبل بضع سنوات ذهب هؤلاء المقاتلين إلى العراق ليحاربوا «الشيطان الكبير». وهم يرون الولايات المتحدة الآن تصعّد حربها في أفغانستان والمناطق المجاورة في باكستان، وهم يذهبون إلى هناك زرافات ووحدانا بدلا من العراق.
وحتى لو قامت الولايات المتحدة بعكس عملية تصعيدها للحرب في أفغانستان، فلن تكون الدولة مستقرة طالما أن تجارة الحشيش توفر كميات ضخمة من الأموال للمتشددين العنفيين، استئصال نبات الحشيش هو مثل استئصال الطالبان: فكرة عظيمة ولكنها غير قابلة للتطبيق.
بدلا من شن حملات لا نهاية لها من رش المبيدات وحرق الحشيش، التي تعزل الأفغان العاديين، يتوجب على الولايات المتحدة أن تسمح باستمرار الزراعة من دون إعاقة، ومن ثم تقوم بشراء المحصول بكامله. يمكن تحويل بعض المحصول إلى مورفين للاستخدام الطبي، ثم يحرق الباقي. تبلغ قيمة محصول الحشيش الأفغاني ما يقدر بأربعة مليارات دولار سنويا. يفضل صرف هذا المبلغ عن طريق وضع النقود في جيوب الفلاحين الأفغان بدلا من إطلاق الصواريخ على قراهم.
سيؤدي نشر المزيد من الجنود الأميركيين في أفغانستان إلى زيادة حدة هذا النزاع الخطر وليس إلى تهدئته. ستكون التسوية مع «القاعدة» لا يمكن تصورها وكذلك منفرة. ولكن الطالبان قوة مختلفة. يشكل التفاوض بأسلوب ماهر بين زعماء القبائل، بناء على استعداد صادق للتسوية أفضل أمل لأفغانستان. إنه توجه يرتكز على الواقع وليس العاطفة.
*مؤلف كتاب «ألف تل: إعادة إحياء رواندا والرجل الذي حلم بذلك»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ