عند الحديث عن خلفيات «دافوس»، والتطورات التي عرفها هذا الملتقى الدولي السنوي، لابد من التوقف عند المبادرات التي طرحها «دافوس»، والتي أصبحت اليوم تأخذ مكانتها البارزة على قوائم جداول أعمال الكثير من اللقاءات الوطنية والإقليمية، سواءٌ أكانت تلك المنبثقة من دافوس ذاته مثل: لقاء شرم الشيخ أو لقاء عمّان (الأردن)، أم حتى تلك المناهضة له مثل: اللقاء العالمي الاجتماعي. وتقوم هذه المبادرات على طرح قضية إنسانية للمناقشة في اجتماعات المنتدى وطرح جميع الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المرتبطة بها، ثم عرض الحلول اللازمة لحل هذه القضية، مع تحديد الجهات والمؤسسات الدولية التي ستشارك بالدعمين المالي والمعنوي لحل المشكلة أو مواجهتها.
ومن أبرز هذه المبادرات ما يأتي:
- مبادرة المشاركة من أجل محاربة الفساد (PACI): وفيها يعنى المنتدى الاقتصادي العالمي بالتحذير من مشكلات الفساد، وخصوصا في بلدان العالم الثالث، وكذلك مشكلة البيروقراطية التي تعد أحد أشكال الفساد في دول مختلفة، وأشارت المبادرة إلى أن الفساد يكلف دول العالم الثالث نحو 25 في المئة من مواردها الوطنية، وما يبلغ 148 مليار دولار سنويا، وأن نمو النشاط البيروقراطي يؤدي في العادة إلى زيادة في معدل الفساد، وشكّل المنتدى الاقتصادي العالمي مجلسا خاصا لرعاية مبادرة محاربة الفساد ويترأسه الأميركي آلان بويكمان.
- مبادرة الإغاثة الإنسانية: وتعنى بالتكاتف لمواجهة خطر الكوارث الطبيعية التي أدت إلى وفاة 180 ألف شخص في العام 2005 وحده مع خسائر اقتصادية بلغت 200 مليار دولار، ومن المؤسسات المشاركة في هذه المبادرة برنامج الأمم المتحدة للغذاء.
- مبادرة المياه: وتهدف إلى إقامة نظام مشاركة عالمية بين القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية للمساهمة في حل مشكلات المياه لتحقيق الأهداف التنموية المتعلقة بالألفية، وخصوصا توفير موارد المياه للجميع، وتوعية رجال المال والأعمال والمؤسسات بأهمية الاستثمار في مجال توفير موارد المياه.
- مبادرة تكنولوجيا المعلومات: وتحمل هذه المبادرة شعار «حق كل مواطن عالمي في الحصول على تكنولوجيا المعلومات»، وتعنى هذه المبادرة بالفجوة الكبيرة في حق الحصول على تكنولوجيا المعلومات بين الدول الغنية والفقيرة خصوصا؛ وهو ما يستوجب ضرورة تكاتف الحكومات والمنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال والشركات في سبيل العمل على وصول هذه التكنولوجيا إلى الجميع من دون تفرقة، وتشارك في هذه المبادرة خصيصا نخبة من أكبر شركات البرمجيات والحاسب الآلي في العالم.
- مبادرة التعليم العالمي: وهذه المبادرة تعتمد على إقامة نوع من المشاركة بين القطاعين العام والخاص والحكومات والمجتمع المدني لتطوير نظم التعليم، وتعد مصر والأردن وولاية راجستان الهندية من بين الدول التي استفادت من تطبيق هذه المبادرة تحديدا، وكان البرنامج الأردني تحديدا هو الأول من نوعه لتطوير التعليم وفقا لهذه المبادرة التي تقودها اثنتان من كبريات شركات الحاسب الآلي في العالم.
وإلى جانب هذه المبادرات، توجد مبادرات أخرى على قدر كبير من الأهمية تم إطلاقها عبر منتديات دافوس المتتالية، كانت من أهمها مبادرة التنافسية العالمية، مبادرة الصحة العالمية، مبادرة الحوار الغربي - الإسلامي، مبادرة تمويل التنمية، مبادرة مواجهة الكوارث، مبادرة الطاقة العالمية، ومبادرة التغير المناخي وغيرها.
ومن الأمور التي تثير الاستغراب لدى بعض من يتابع المحاور التي هي محط اهتمام «دافوس» كانت مبادرة الحوار الغربي - الإسلامي، أو بالأحرى الحيز الذي بات يحتله موضوع حوار الأديان، وخصوصا الحوار بين العالمين الإسلامي والغربي في جداول أعمال «دافوس». باتت هذه القضية تحتل موقعا واسعا من اهتمامات أوساط المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس والاجتماعات الفرعية التابعة إليه.
بادر المنتدى إلى تأسيس ما يسمى «مجلس الحوار الغربي مع العالم الإسلامي» (West-IslamicWorldDialogue)، الذي يضم 100 شخصية عالمية من الجانبين من السياسيين والاقتصاديين ورجال الدين والإعلام، ولهذا يطلق عليه أيضا مجلس المئة أو (C-100)، ووظيفته الأساسية دعم الحوار والتعاون والتفاهم بين الدول الغربية والدول التي يمثل المسلمون غالبية عدد سكانها.
ويقوم عمل هذا المجلس - وهو إحدى مبادرات دافوس - بصفة أساسية على فكرة التحرك «البراجماتي» لمجتمع الأعمال كقوة فاعلة ومؤثرة يمكن أن تساعد على إرساء التعاون والحوار بين الجانبين، أي أن الفكرة باختصار تقوم على أساس الحوار والتفاهم القائمين على المصالح الاقتصادية للطرفين.
ويركز مجلس المئة على عدة قضايا فرعية انطلاقا من هذه الفكرة وأبرزها: تحديد نقاط سوء التفاهم الرئيسية بين الجانبين والحوار المستمر بشأن قضايا الخلاف بينهما، والتفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة والمميزة. وكان رئيس ومؤسس منتدى دافوس كلاوس شواب قد دعا في حديث له في يونيو/ حزيران العام 2003 الغرب إلى ضرورة الاعتراف بأهمية العالم الإسلامي، وحثه على سرعة بدء حوار موسع وصريح معه بهدف تحقيق السلام العادل في العالم.
ويعود أول اهتمام مباشر من دافوس بموضوع حوار الأديان إلى حوادث 11 سبتمبر/ أيلول في مطلع هذا القرن والتداعيات التي تلت ذلك في مناطق متفرقة من العالم مثل: أفغانستان والعراق.
وكانت القضية الدينية قد تم طرحها بشكل آخر للمناقشة من قبل في اجتماع سابق للمنتدى في ندوة كان عنوانها «الإسلام السياسي»، ولكن الندوة لم تتناول القضية الجوهرية وهي المخاطر التي تشكلها جماعات الإسلام السياسي ومدى تعارضها مع القيم الديمقراطية الغربية، بقدر ما اهتمت بمناقشة جزئية تأثير الإسلام السياسي على المصالح الاقتصادية للغرب في الدول الإسلامية. أي أن الحال الدينية وقضية الإسلام السياسي، ومعهما أيضا قضية حوار الأديان، تمثل قضايا جزئية مختصرة محدودة تُناقش في ظل آفاق ضيقة للحوار في «دافوس» واجتماعاته، ومحورها الأساسي نظرة أصحاب المصالح في الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي عموما نظرة اقتصادية بحتة.
ولعل ما جاء في أحد تصريحات عن هذا الموضوع تلخص مدخل المنتدى للمسألة الدينية، إذ نجد شواب يؤكد «أهمية استئناف الحوار بين العالم الإسلامي والغرب وفقا لأسس ومنطلقات جديدة تشمل المجالات السياسية والدينية والعلمية، (مؤكدا أيضا) أنه سيكون خطأ جسيما يفضي إلى كارثة عالمية لا يمكن التحكم في توابعها إذا ما ساد الاعتقاد بعدم وجود فرصة للتلاقي والتواصل الحضاريين بين الحضارتين الإسلامية والغربية وحتمية الصدام بينهما.
بقيت مسألة لابد من الانتباه إليها وهي الوضع المتفجر الذي نعيشه اليوم وخطورة انعكاس نتائجه على مستقبل العالم. هذا الأمر يتلمّسه أيضا بشكل قوي شواب، ويطلق تصريحا تحذيريا عشية انعقاد المنتدى يقول فيه: «إننا نشهد أكثر وأكثر عالما يعاني انفصام الاقتصاد في وضع جيد والانطباع جيد، ولكن تحت كل ذلك المخاطر والتحديات والاختلالات الكثيرة إننا نعيش في عالم خطير جدا».
والدليل على هذا الخوف المتصاعد أن 48 في المئة من سكان العالم يعتبرون أن أولادهم سيعيشون في عالم أقل أمانا وفق استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب نهاية العام 2006 لحساب المنتدى وشمل 55 ألف شخص في 60 دولة. وكان الاستطلاع نفسه قبل عام أظهر أن نسبة المتشائمين هي 30 في المئة.
وأظهرت دراسة نشرت مطلع الشهر الجاري أن الخبراء الذين يجمعهم المنتدى خلصوا إلى أن المخاطر التي تشكلها البيئة والأمراض والإرهاب حتى أسعار النفط على الاقتصاد العالمي زادت العام الماضي على العام الذي سبقه.
ويأمل المنظمون في أن تحمل اجتماعات المنتدى للعام 2007 مزيدا من الوعي والإدراك. ويقول شواب: «ينبغي تقويم التحديات ووضع الأولويات ومناقشة حلول محتملة». ويعول رئيس المنتدى على الأجواء البعيدة عن البروتوكول في المنتدى إذ ربطات العنق محظورة لطرح أفكار جديدة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشارك في المنتدى 800 مسئول من كبريات الشركات العالمية مثل: صاحب أكبر شركة فولاذ في العالم الهندي لاكشمي ميتال، نائب رئيس شركة غازبروم العملاقة للغاز ومدير محرك البحث عبر الإنترنت «غوغل» الروسي الكسندر ميدفيديف. لذلك من المتوقع أن تحظى موضوعات الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة حيزا من لقاءات هؤلاء القادة الاقتصاديين.
ومن الطبيعي أن يناقش المنتدى كذلك مستقبل المفاوضات بشأن النظام التجاري العالمي الجديد مع مشاركة نحو 30 وزيرا من دول أعضاء في منظمة التجارة العالمية. وهذا الاجتماع وهو الأول منذ تعليق المفاوضات في يوليو/ تموز الماضي قد يؤدي إلى وضع جدول زمني لاستئنافها.
وطغت قضايا المخاطر التي تطرحها التغيرات المناخية والسباق على موارد الطاقة على مناقشات منتدى دافوس، إذ تكشف قلة الثلوج نتائج ارتفاع حرارة الكوكب.
وينعقد المنتدى مباشرة قبل نشر تقرير لمجموعة خبراء حكوميين بشأن تطور المناخ بتفويض من الأمم المتحدة في 2 فبراير/ شباط المقبل في باريس يتوقع أن يؤكد خطورة ارتفاع حرارة الكوكب ووضع أسس تحرك لقادة العالم أجمع للتصدي لهذه الظاهرة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ