العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ

صفقات الأسلحة وتأثيرها على النفوذ الإسرائيلي في المنطقة العربية

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

للوصول إلى حقيقة راسخة لا تقبل التهرب من خلال جدل سقيم، يلزمنا أن نسأل بعض حكومات عالمنا العربي «الرشيدة جدا»، كمدخل لتوضيح وجهة نظرنا، عن ما تعقده تلك الحكومات الرشيدة بدرجة «إكسلانت»، من صفقات تبلغ كلفها المليارات بشراء أسلحة من بريطانيا، أو من فرنسا، أو من أميركا أو من ألمانيا، أو أو...، من أي من بلدان الغرب المتآمرة على أمتنا العربية، هي عملية تؤدي إلى ترسيخ منزلة «إسرائيل» لدى ساسة دول الغرب، وتثبيت نفوذها، والتأكيد على نجاح مهمتها باعتبارها دولة خدمات، لتحقيق مصالح الغرب،لأنه بكل بساطة، يأتي الجواب الحاسم من مواجهة السؤال التالي والفاصل، المؤدي إلى... عما إذا كان هدف تلك الدول العربية، من وراء تلك الصفقات هو محاولة لخلق توازن بينها وبين «إسرائيل»، لأن بعض هذه الدول من السذاجة، بحيث نسوا تعهد أميركا أو تناسوا لغاية في نفس يعقوب، بأن تبقى «إسرائيل» متفوقة على الدول العربية مجتمعة، من هنا يأتي عقدهم صفقات الطائرات مع الغرب بالبلاد بين عملية غبية وعبثية لا مردود لها، كان عليهم أن يتجنبوها، ويتجهوا إلى جهات أخرى!

فهل يبقى ذلك التصريح الأميركي الاستفزازي الاحتقاري؟ ليس بكافٍ لأنه يجعل من صفقات الطائرات، وغيرها من أسلحة مع الدول الغربية ومع أميركا ليس إلا امتصاصا للأقوال العربية. ونشدد مع الدول الغربية ومع أميركا... بأنها صفقات (عبثية) ربما من شأنها أن تفجر توترات بين الحكومات وشعوبها، لكون هذه الصفقات لا تغير في واقع التفوق الإسرائيلي العسكري شيئا في ظل تعهد أميركا ومن ورائها الدول الغربية، بأن تبقى «إسرائيل» في تفوق مطلق على الدول العربية مجتمعة.

وفي اعتقادنا واستنادا لمعطيات تاريخية، فإن بريطانيا لم تنشئ «إسرائيل» كدولة لتنظم جموع اليهود، وتنهي تشتتهم، لأن اليهودية الرأسمالية، ترى من خلال أيديولوجيتها الهادفة للسيطرة الاقتصادية على العالم، ترى في التشتيت وسيلتها للكشف عن حركة المال العالمي، الذي يساعدها على وضع يدها عليه، وتوجيهه لخدمة مصالحها ما يتفق ومخططاتها، التي تتطلب أن يكون لها مرتكزات مالية في مختلف بقاع العالم الاستراتيجية، وان أكبر دليل يقودنا إلى هذه الحقيقة ويثبتها، هو أن الغالبية العظمى من اليهود يرفضون العودة إلى ما أسموه بأرض الميعاد المزيفة...

وأخيرا وليس آخرا، أليس المنطق السليم يقتضي منا مواجهة «إسرائيل» ومواجهة أميركا والغرب، أن يكون لنا سرنا العسكري الذي نحافظ عليه من الانكشاف للعدو، وهذا أمر يتطلب منا مقاطعة شراء السلاح من الغرب، لأنه سلاح مكشوف في مستواه التكنولوجي وقدرته التأثيرية العسكرية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية نحرم الضرب من أن يستعيد أموال النفط التي اشتراها منا أضعافا مضاعفة، وهذا إجراء يحتاج أول ما يحتاج إليه إلى إرادة صلبة وتوجه تحرري من رتبة الهيمنة الاستعمارية، وهو مطلب ضروري وملح يفتقده حكام عالمنا العربي عموما. وبإدارة التحرر من رقعة الاستعمار، فلابد من التعامل مع «إسرائيل» على أنها دولة لخدمة مصالح الغرب، بدليل أن المعطيات التاريخية التي سبق أن مررنا بها وأكدنا أن «إسرائيل» مشروع اقتصادي تجاري ورأسمالي دولي تحتكره الدول الغربية، وتسيره لخدمة مصالحها الرأسمالية والسيطرة على مقدرات عالمنا العربي والإسلامي.

ولما كانت الرأسمالية ليست إلا مرحلة في مسيرة التطور التاريخي، وأن أية مرحلة إذا ما بدأت تمر بفترات من التطور والارتقاء حتى إذا ما لفت مداها في العلو والارتقاء، فلابد لها من أن تنحدر وتتهاوى وتتلاشى، هذا إذا ما آمنا بالمقولة العلمية: «إن لكل بداية نهاية»، وفي هذا السياق فإن الرأسمالية العالمية في سيرة نشوئها وتطورها، واندحارها تخضع لمبدأ، لكل بداية نهاية... وأن النهاية التي تتحدث عنها تشمل كل أدوات الرأسمالية وما يرتبط بها. ولما أن «إسرائيل» ليست إلا أداة من أدوات الرأسمالية، فإنها لا يمكن أن تخرج عن كونها أداة تخضع لمبدأ البداية والنهاية.

ولكن على عالمنا العربي ألا ينتظر نهاية «إسرائيل»، بأن تتفتت بفعل عوامل التأثيرات الطبيعية وتقلباتها المناخية، إذ إن هذه النهاية تأتي في إطار رؤية معمقة تأخذ في الاعتبار متطلبات إنشاء «إسرائيل» وتحديد ماهية تلك المتطلبات، والعمل على إفشالها، إذ في إفشالها، إفشال لهذا الكيان في أداء خدمته كدولة عميلة لخدمة الرأسمالية الدولية والامبريالية العالمية، وإذ إن «إسرائيل»، مشروع اقتصادي دولي محتكر من قبل الدول الصربية لتحقيق مصالح تلك الدول، وقد سبق لنا أن أكدنا هذه الحقيقة من خلال الكثير من الدراسات التي نشرناها ووثقناها من المراجع التي استقيناها من مجموعة الكتب ومن بينها كتاب «يدالله» للمؤلفة غريس هاسل، ثم نشرها على صفحات هذه الصحيفة، إذ كان واضحا، أن إقامة «إسرائيل» ليس مشروع دولة، بقدر ما كان تجميعا لشذاد آفاق منفلتين، لا مبدأ لهم ولا هدف، سوى أنهم وجدوا في اليهودية وسيلة لتحقيق مصالح شخصية، ووجدوا في الاستعمار البريطاني في حاضننا يتقاسمون معه المصلحة، فاعتنقوا اليهودية، التي ليس بينهم وبينها أية علاقة، قبل «وعد بلفورد»، وإن هؤلاء البشر يمكن تحديد هويتهم بأنهم «مافيا» اعتنقوا ديانة يهودية عنصرية صهيونية، وجد فيهم اليمين المسيحي الأميركي الحاكم في الوقت الحاضر ضالته.

ذلك اليمين المسيحي الذي رأى في المصالح المادية، وجمع الأموال ما دفعه بكل يسر وسهولة لأن يضحي بالديانة المسيحية، ويتآمر على تهويدها، طبقا للمراجع الثبوتية التي اطلعنا عليها في كتاب «من أجل صهيون».

وإذا ما سلمنا جدلا بأن «إسرائيل» مشروع ابتزازي سلحه الغرب بأرقى صنوف الأسلحة تكنولوجيا، وزاد على ذلك بأن سانده لامتلاكها السلاح النووي بمختلف أصنافه وأعطاها الضوء الأخضر لأن تعيث فسادا في الأرض. وحمتها أميركا ضد إدانة العالم كنشوء شاذ لا تتقبله البشرية سوى أميركا وعليه ومع هذه الوقائع، فإن عقد صفقات الأسلحة بين حكام العالم العربي والدول الراعية والمساندة لـ «إسرائيل»، هو إسهام خياني صريح لفلسفة القضية الفلسطينية، ودليل صارخ على وجود انفصام واضح وضوح الشمس لا يغطيه غربال بين بعض الحكومات العربية وشعوبها، وهي ظاهرة تعطي الانطباع لدى الشعوب العربية، بتثبيت المثل القائل الذي ينطبق على عدد من حكام العالم العربي:

«إذا كان الغراب دليل قوم سيهديهم إلى دار الخراب»

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً