العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ

عاشوراء في مواجهة الأكاذيب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع البعثة النبوية، طلب سادة قريش (الكفّار في لغة القرآن) من صاحب الرسالة أن يتخلى عن أفكاره التي تهدّد بتقويض البنيان الاجتماعي والاقتصادي الذي قامت عليه تجارة مكة وازدهارها.

الرسالة أوصلها رجلٌ يحب محمدا ويحبه محمد (ص)، وهو عمه أبوطالب، بقوله: «يا ابن أخي إن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا». فكان ردّه (ص): «يا عم... والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».

هذا العزم، وهذا الحسم، وهذه الإرادة الشامخة، نقرأها في سيرة حفيده الشهيد، الذي كشف عن خطّه وخطته وحركته لاستنهاض مجتمع قُتلت روحه، وكُبّلت إرادته، وليضع الباطل في دائرة الإدانة المطلقة، بعد أن وطن نفسه على ركوب الصعاب، مفتتحا حركته بقوله: «إنا بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجلٌ فاسقٌ شاربُ الخمر وقاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله». هكذا... نقطةٌ على السطر.

الموقف كان باهظ الثمن، دفعه الحسين (ع) من دمه ومن دماء أهله وأصحابه وحوارييه، حتى نساؤه وأطفاله لم يسلموا من التنكيل والضرب بالسياط على أيدي أعرابٍ جفاة، ممن عاشوا بعيدا عن مناهل الوعي ومناطق الحضارة. هذه التضحية الباهظة والفداء المهيب، قابلتها البشرية بما تستحقه من احتفاء، فلن ترى شهيدا في أمم الأرض لقي مثلما لقي الحسين من تقدير وإجلال ومنزلة رفيعة في قلوب المسلمين لم تغيّرها الدهور.

على مستوى الشعر العربي، الذي قد يحتل الرثاء نصفه، حاز الحسين الشهيد على أكثر من نصف هذا الديوان. وإذا كانت القضايا تبهت في القلوب مع السنين، سنّة الله في خلقه، إلاّ أن قضية الحسين لم يزدها مرور القرون إلاّ توهجا وألقا، وهو من السر المكنون في كربلاء.

المؤرخ غوستاف لوبون في نظرة تاريخية عميقة، يقول إن القمع والقتل اللذين واجها البروتستانتية زادا من انتشارها، وهو منطقٌ يتفق معه الكثير من المحققين في تاريخنا الإسلامي، بأن قتل الحسين (ع) وأنصاره بهذه الصورة المروّعة، استقطب مزيدا من الأنصار للبيت النبوي الشريف، حتى شكّل حركة تاريخية عارمة عرفت لاحقا بـ «التشيّع».

من هنا نرى ضعف تلك الآراء الباهتة التي تروّج للمقولة الأموية القديمة بأن «الشيعة هم الذين قتلوا الحسين»، لتبرئة الحكم الأموي والتنصّل من تبعات أبشع جريمة في تاريخ الإسلام. فمن الناحية التاريخية لم يكن هناك شيء اسمه «شيعة» قبل كربلاء، بل مجرد تيّار شعبي صغير متعاطف مع قضية البيت العلوي، مغلوب على أمره، أمّا بعد كربلاء فقد زاد زخم هذا التيار وتجسّد في حركات ذات عنفوان، ظلّت تهز العالم الإسلامي لعدة قرون وتؤثر على مساره وتطوّره، ونجحت بعض الحركات (الشيعية) في حكم مناطق كبيرة في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، من البويهيين في فارس والعراق، والحمدانيين في الشام والجزيرة، والأدارسة في المغرب، والفاطميين في شمال افريقيا ومصر، والزيديين في اليمن... وعشرات من الدول الأخرى التي لا يعرفها أنصاف المثقفين، وأنصاف الصحافيين، وأنصاف «المخبرين»، الذين لا يعرفون غير الدولة «الصفوية» و»الصفويين»!

ثقافةٌ ناقصة، وذاكرةٌ قصيرة مبرمجةٌ منذ أيّام يزيد، و-أكاذيب استحلى مروّجوها النوم بين نثيلهم ومعتلفهم، ولا يصحّ إلاّ الصحيح. وهذا هو درس كربلاء الأكبر الذي يجهله المتخلّفون!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً