اختباط ووهم أم حقيقة... لا يهم. المهم من المسئول عن إيقاف الآثار السلبية لهذا الاختباط والوهم أو كشف هذه الحقيقة إن وُجدت؟ المرأة نُقل عنها كلاما خطيرا من خلال أكثر من كاتب، فحواه وجود أسلحة مخزّنة في الكثير من المآتم وذلك في محاضرة ألقتها في أحد المجالس المحرقية. ومثل هذه الفلتات من العيار الثقيل ليست غريبة على الكاتبة المعنية، ففي مقال حديث لها مؤخرا حكمت على كل من ينكر وجود المشروع الصفوي سواء «بإدراك منه أو بعدمه»، هو جزء من هذا المشروع.
وهذه الطريقة من التفكير الإقصائي تجاه الطرف المخالف لدرجة اتهام حتى من ينكر وجود هذا المشروع من غير إدراك منه يعني الحكم بالإعدام على كل عقل يرفض هذا الطرح غير العلمي أصلا والذي أسمته صاحبته «دراسة»، فإما أن تشطب عقلك وتصدّق وإما أنك متآمر وخائن وجزاؤك الإفناء من الوجود.
إن الفتن تبتدئ بكلام وألفاظ، ثم تختمر على شاكلة أفكار ومواقف، ومن ثم سلوك يتلاءم مع الفكرة، فإن كانت الفكرة خبيثة، جاء السلوك خبيثا منكرا، والعكس بالعكس. فإما أن تكون صادقة في هذا الإدعاء، وهنا على الدولة القيام بواجبها تجاه مزاعم الأسلحة والذخائر المخزّنة في بعض المآتم، وإما أن تكون كاذبة مفترية، حينها لا يهم ما الذي حرّكها لكل هذا التخاريف، ولكن المهم وجوب أن يتحمل وليّ الأمر سلوك من وُلّي عليه، وهذه مسئولية الدولة، إذ إن هذا الكلام الخطير لا يمكن أن يمر من دون حساب، لأن فيه تحريضا طائفيا وزرعا لحقد أعمى، وإقامة جدر صلبة من الحواجز النفسية وإثارة للتوجسات بين الطائفتين التي يتشكل منهما هذا الوطن، خصوصا مع وجود وسائل إعلام تتبنى هذا الطرح، فالكلام المنسوب لها كتبه أحد الكتّاب في جريدة معلوم توجهها جيدا، وقد تركت تعليقا لأحد القراء يحذّر من المد الصفوي، ويزعم بوجود خلايا مسلحة تتكون من 3 - 5 أفراد هدفهم استدراج أطفال أهل السنة وذبحهم.
لو علمت الدولة بمقولة لأحدهم يتحدث عن وجود أسلحة لما ترددت لحظة في استدعائه والتحقيق معه، وهذا حقها وواجبها من أجل حماية الوطن والمواطنين وحفظ النظام.
ولو علمت الدولة بأن هذا الكلام افتراء، حينها فإن السكوت عن هذا البغي من قبل كل الأطراف المعنية، يُفهم بأنهم راضون بهذا الافتراء وما يقود إليه من نتائج وخيمة؛ لأن هناك حتما من سيصدقه وسيبقى متوجسا لحين اتضاح الحقيقة.
نماذج سيئة كالنموذج العراقي سببه الرئيسي التزام الصمت عن قول الحق، والتفريق بين الدماء، فهناك دم غال ودم رخيص برخص دم الحيوانات، والسكوت عن قول الحق شيطنة ما بعدها شيطنة، والكلفة جراء السكوت غالية جدا، فالتجربة أمامنا في العراق، ونسخ ممن يتربصون بهذا الوطن وأهله الدوائر موجودون على أرضنا، والتمهيد لاستيراد الفجور السياسي ومن ثم تحويله لسلوك طائفي مجنون هو هدف الحاقدين على التآلف بين المسلمين، وطالما حذّر الشرفاء من هذه الأمة من محاولات إيقاظ فتنة نائمة تحت دعوى التصدي للمدّ الصفوي وقدّموا الأدلة العلمية التي تثبت سراب هذه الهيصة والتي اندفع في ترديدها تيار تكفيري معروفة أهدافه.
الكلام عن وجود أسلحة في بعض المآتم خطير جدا، وهل سبب مصائب الدنيا من أول التاريخ لهذا اليوم إلا الكلام الذي يُلقى على عواهنه؟! إذ سرعان ما سيتحول لأفكار ومن ثم إلى سلوك عملي بمستواه، حسن أو قبيح، والسكوت وعدم التحقيق وإجلاء الحقيقة للجمهور في مثل هذه الدعوى سيترك الفرصة للوقود الطائفي يملأ الساحة، ومن ثم تتشاحن النفوس وتسود الشكوك والظنون جناحي هذا الوطن، ولا يبقى بعدها سوى إطلاق شرارة حتى تشتعل الأرض وتلتهب من تحت أرجل أهلها جميعا، لهذا فإن التصدي لوقود الفتنة الطائفية - سواء قصد مروّجوه ذلك أم لم يقصدوا - واجب ديني ووطني وإنساني، وإن إخلاء الساحة من هذه الخشب اليابسة ضرورة حتى لا تتسبب شرارة يطلقها أحد الحمقى في مأساة تفوق إمكانية السيطرة عليها، وعدم التحقيق وكشف الحقيقة للناس سيجعل فئات من الشعب خائفة متربصة، مما يستوجب من السلطات المعنية رفع هذا الاحتقان والتشاحن من خلال التحقيق ونشر نتائج التحقيق للجمهور.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ