عندما نحاول ترتيب الملفات السياسية الساخنة بحسب أهميتها قد نختلف في ذلك نظرا إلى تعددها وأهميتها في آن واحد، ولكن أظن أن لكل مرحلة أولويات قد تختلف عن غيرها من المراحل.
وبحسب المعطيات الموجودة حاليا على الساحة السياسية والآثار والتداعيات والنتائج المترتبة على ملف التجنيس السياسي كأحد الملفات السياسية الساخنة والمفتوحة، يجعل هذا الملف يتصدر الملفات لا لكون الملفات السياسية الأخرى أقل أهمية منه كالبطالة والإسكان والتعديلات الدستورية والفساد وغيرها من ملفات تطحن المواطن قبل القيادات السياسية، لخطورته من جهة وصعوبة تجاهله من جهة أخرى.
يمكننا أن نقول إن التجنيس السياسي أولا وثانيا وثالثا إلى أن توضع له نهاية معقولة لا أن يسكت الجميع عن الملف الخطير، فالجميع يتحمل تبعاته وتداعياته الخطيرة التي لا حصر لها، فالموضوع لا يحتمل أصلا السكوت عنه أو تجاهله أو تأخيره وتقديم ملفات سياسية أخرى عليه.
الوضع الحالي ينبئ بوضع سكاني مرعب ومخيف للمجتمع البحريني الذي اعتاد على الاستقرار والأمن الاجتماعي، وعشق الألفة والمودة وحسن الجوار، ومع ذلك بات الأمر حاليا مهددا بعدم الاستقرار وعدم توفر الأمن لانتشار الجريمة إلى جانب الأمراض الاجتماعية الأخرى؛ لعدم تجانس المجتمع، والسبب الحقيقي يكمن في حالات التجنيس التي بدأت تغزو كل مناطق البحرين بلا استثناء وبلا خوف على المستقبل الذي يهدد بحريننا الغالية، فكيف لنا أن نسكت عليه مستقبلا؟!
أصبحت البحرين حاليا مبقعة بألوان فاقت ألوان القوس قزح بسبب ما تعرضت له في الآونة الأخيرة من عمليات تجنيس فظيعة، إلى الحد الذي اختفت فيه الهوية البحرينية الأصلية.
في السابق وعندما نكون خارج البحرين ونسأل، من أين أنتم؟ نجيب وبكل فخر بأننا من البحرين وأننا بحرينيون، الآن أصبحنا نتوجس من سؤال كهذا أصلا، هل تعرفون لماذا؟ لأن إجابتنا أولا تكون بانكسار.
لقد تغيرت حال الفخر والاعتزاز إلى حال الشعور بالانكسار أي أن الحال النفسية وصلت إلى أدنى مستوياتها، والسبب الثاني لأن إجابتنا دائما يتلوها سؤال آخر بشكل طبيعي وحتمي والسؤال دائما يكون: هل أنتم بحرينيون أصليون؟
نتيجة اطلاع العالم على المأساة التي يعيشها الشعب البحريني فالآن بدأ العالم يشكك في هوية المواطن البحريني، والمؤسف أن الكثير ممن يحمل الجنسية البحرينية لا يقدرها حق التقدير ولا يتحمل مسئوليتها، فنحن على سبيل المثال عندما نسافر إلى أية بقعة في العالم، نتعامل مع الوضع الخارجي كما لو نكون سفراء رسميين لوطننا الأم (البحرين)، نتصرف مع كل الظروف بحكمة وذوق وبكل حذر واحترام حفاظا على سمعة بلدنا، أما غيرنا من بعض حاملي الجنسية، وللأسف الشديد لا يهمه سوى كيف يستفيد شخصيا من الجنسية التي يحملها من دون أي عناء فما أدراك أصلا إن كان يرغب في الحصول عليها أم أنها هكذا جاءت إليه من السماء بلا أمنيات فيموت حينها الإحساس بقيمتها.
الوضع النفسي للمواطن البحريني في تدنٍ مستمر ويشعر بانكسار في عزته وكرامته، فهل هناك بلد في العالم يقبل أن يرث لشعبه انكسارا نفسيا متراكما جراء ما يحصل له وما يعانيه من إقصاء وتهميش لا لشيء فقط لكونهم السكان الأصليين؟
في الوقت الذي يعيش فيه الكثير من المجنسين في ترف ودلال، لا يحملون فيه هم يومهم ولا غدهم، فأمورهم تسير على ما يرام، إلى جانب أنهم يحظون بامتيازات تفوق امتيازات المواطن البحريني، فهل نحن فعلا بحاجة إلى جلب رؤوس من الخارج وتوطينهم في بلدنا؟ ألم يحن الوقت لأن تستفد البحرين من دروس بعض الدول من حولنا في مسألة التجنيس السياسي والنتائج التي آلت إليها ؟
لماذا لا تكون سياسات التجنيس لدينا كما لدى الشقيقة السعودية وحرصها الكبير على عدم إعطاء الجنسية لكل من هب ودب، كذلك الحال بالنسبة إلى مصر وغيرها من الدول الغيورة على مصلحة الشعب قبل أي شيء آخر؟
أظن بأن التجنيس ورقة خطيرة بيد الحكومة ستكلف الشعب ثمنا باهظا بالدرجة الأساس على جميع المستويات اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا وصحيا وسياسيا ومستقبلا سيتأثر به النظام، والذي سيتأثر به كثيرا من تداعياتها هو المواطن الذي لا حول له ولا قوة من العملية برمتها.
لا يكون علاج المسألة بتخفيفها أبدا من خلال الإعلان أو الاعتراف بأن هناك أعدادا بسيطة جدا من المجنسين، فالأعداد البسيطة التي يدعيها النظام ستفرخ أضعافا مضاعفة مستقبلا، تحت غايات وأهداف مبطنة حفاظا على استقرارها وضمان نوعها، ومع ذلك تنال من الحكم كل الثقة والتقدير، في حين الطبقة الكادحة وهم السكان الأصليون الذين لم يعرفوا غير البحرين بلدا لهم ولم يتركوها على رغم ما يمارس ضدهم من عمليات إقصائية، تظل لا تكل ولا تمل وتعمل بسواعدها ليل نهار، ومع ذلك لا تستحق أن تعطى ثقة فالأزمة قائمة إلى أجل غير مسمى ولأسباب غير واضحة سوى حال الإقصاء والتهميش والحرمان.
الغريب في الأمر أن الحكومة في كل دفعة من دفعات التجنيس تحاول أن تشغل الجمعيات السياسية والرأي العام بملفات سياسية أقل أهمية وأقل خطورة على مستقبل الشعب البحريني، فأحيانا تلهيهم بقانون أحكام الأسرة وأخرى بتقرير الرقابة المالية ولا نعرف بوصلة الحكم إلى أين تتجه بنا ونحن نبحر معها في موجه عاتية مع أناس تعددت ألوانهم ومشاربهم دخلوا علينا فجأة وعلينا أن نتعايش معهم وإلا غرقنا معهم في وسط البحر. فلربان السفينة - كما نرجو - أن يعيد النظر في السياسات التجنيسية لأنها تضر كثيرا بالمشروع الإصلاحي الذي تصالح عليه كل الشعب بلا استثناء، ولم يكن المجنسون أبدا طرفا فاعلا في أي مفصل من المفاصل السياسية التي خاضها الشعب وصولا إلى الانفراجة الأمنية التي تحققت وبفضلها دخلت البسمة من جديد إلى كل بيت.
فهل لنا أن نواصل الأعراس السياسية بلا منغصات سياسية، أم أن المنغصات شر لابد منه؟
لقد عودنا جلالة الملك من خلال مواقفه الحكيمة بأنه حتما من أفضل القياديين ولاسيما قيادة سفينة الانجازات في بحريننا الغالية ولأنه القادر حتما على تحقيق الاستقرار الديموغرافي من جديد.
فهل مازلنا بحاجة إلى أن نكرر مرة أخرى: لا داعي للتجنيس السياسي في جميع المراحل لا أولا ولا ثانيا ولا ثالثا؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ