العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ

لبنان 77... الصليب والهلال يتنافسان على جدران بيروت

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في بيروت أخذت أتملى المشهد السياسي اللبناني المتحرك عن قرب، فأنا الآن أعيش في لبنان في هذه البقعة الجميلة التي حبتها الطبيعة بالفتنة الخلاقة ولا يدانيها في ذلك إلا فلسطين المغتصبة حيث يردد أهلها دائما أنها لا تقل جمالا عن لبنان وطالما رددت أجيالها القديمة اسم جبل الكرمل بطبيعته الفاتنة وقد أصدر الشاعر الفلسطيني محمود درويش مجلته الفصلية «الكرمل» تبركا بذلك الجبل الأشم وكانت ذات منحة شعريا وفكريا راقيا لقد ساعدني عملي الدبلوماسي في أن أتجول في مختلف مناطق لبنان شماله وجنوبه وفي المنطقة الشرقية المعروفة بمختلف مدنها وأقضيتها وقبل ذلك في المنطقة الغربية التي أقطنها.

الزائر للبنان والمتجول في أحيائها المختلفة لا تخطئ العين المجردة وجود مئات الشعارات المتباينة والمتضادة في آن واحد ولأخذ القارئ في هذا البحر المتراطم الأمواج والتي أفرزتها حرب السنتين اللبنانية الدامية ابتداء من مايو/ أيار 1975 وحتى نهاية 1976. وإن كثيرا من الأصدقاء اللبنانيين أمثال ميشال أبوجودة صاحب العمود الصحافي اليومي المعروف ليس على مستوى لبنان وإنما على المستوى العربي، وكذلك غسان تويني صاحب «دار النهار»، ورئيس تحرير مجلة «الحوادث» سليم اللوزي ورئيس تحرير مجلة «الأسبوع العربي» ياسر هواري وحنا غصن ورئيس تحرير مجلة «المستقبل» نبيل خوري، وقد عاد منذ سنة إلى لبنان وكانت وفاته بمثابة مأساة. ومحمد السماك وملحم كرم وغيرهم كل هؤلاء الصحافيين قد ساعدوني بكل أمانة ورعاية في الاطلاع على كثير من المعلومات الصحافية المهمة بل وفي كل ما يتعلق بتاريخ لبنان القديم والوسيط والحديث وهنا لابد من الإشارة إلى المؤرخ اللبناني فيليب حتى وكتابيه «تاريخ لبنان» و«تاريخ العرب».

تلك الأسماء التي أوردتها هنا قد تعرفت على معظمها وزادت ما بيننا من روابط صحافية خلال عملي في دائرة الإعلام ابتداء من صيف 1968وكان يرأسها وزير الإعلام والخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. وأنا أتجول في شارع الحمراء والشوارع المتفرعة عنه وكذلك الأحياء المجاورة له لفت نظري كثرة الكتابات الملصوقة أو المكتوبة على الجدران بصورة مهولة تشوه جمال المدينة ومبانيها وعمارتها وفنادقها. وهذه الظاهرة برزت مع اشتداد القتال بين مختلف الفرقاء والطوائف المتقاتلة. وإن المتتبع لظاهرة الكتابة على الجدران وفحصها بدقة وروية تطل عليه فكرتان بارزتان هما الطائفية البغيضة والممقوتة والتقسيم الأشد خطورة. والتقيت المذيع اللبناني البارز شريف الأخوي مرات عدة، إنه شخص مناضل وشجاع وقد علمت بوفاته في العام 1986 وأنا في نيويورك وأهل لبنان أثناء الحرب لا ينسون أبدا برنامجه الإذاعي اللامع وهو يردد الطريق آمنة وسالكة فينزلون إلى الشوارع لقضاء حاجتهم أو أن الطريق غير آمنة فيمكثون في منازلهم خوفا وفرقا على أرواحهم من القتل والقنص في الطرق والشوارع. وانتشرت هذه الشعارات والكتابات مع غياب وتراجع سلطة الدولة في معظم أنحاء بيروت. وأذكر وأنا أتجول في منطقة الأشرفية في المنطقة الشرقية المسيحية لمحت هذه الكتابات الجدارية. لم يبق فلسطيني على أرض لبنان كما لاحظت رسوما مختلفة للصليب، شعار المسيحيين اللبنانيين، أما في المنطقة الغربية فيبرز شعار الهلال انه رمز المسلمين ولكن على رغم وجود قوات الردع بكثافة في معظم أحياء بيروت وهي قوات سورية في معظمها إلى جانب قوات سعودية وإماراتية وسودانية وكويتية ويمنية جنوبية فإن تلك الكتابات وما تحمل من شعارات ممجوجة منفرة تساعد على نشر روح وفكر الاقتتال وتثير الفتن وتغذي الطائفية.

وحرصت منذ وصولي إلى بيروت في مستهل يناير/كانون الثاني 1977 أن أقوم بجولات صباحية في بيروت الغربية مع سائقي علي السخميني كلما سنحت لي الفرصة بحيث لا تكون لي ارتباطات دبلوماسية. في بيروت الغربية في منطقة سفارتنا في بئر حسن وحيث تقع أيضا السفارة الكويتية والمغربية والتركية وسفارات أخرى ومقر الأكوا (لجنة غرب آسيا الاقتصادية) والمدينة الرياضية كما زرت مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا كما زرت أيضا منطقة الفكهاني مقر منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك الضاحية الجنوبية التي أصبحت فيما بعد مقر حزب الله ومنطقة الشياح المسلمة المواجهة لعين الرمانة وفرن الشباك المسيحية وكثيرا ما علقت الاشتباكات بين الطرفين وقد خرجت من تلك الجولات بحصيلة كبيرة من الشعارات الملسقة والمكتوبة على الجدران. وهذا بعض منها على سبيل المثال لا الحصر: (لا للعلمنة لا للطائفية نعم للإسلام ) (فتح ديمومة الثورة والعاصفة شعلة الكفاح وثورة حتى النصر) (البعث شوكة في صدر الإمبريالية سورية فقط) (نحن المظليون منازلنا بين النجوم قائد المسيرة حافظ الأسد) (تعيش القوات المشتركة سورية الثورة سورية الأسد) (الصاعقة أمل الجماهير اللبنانية والسورية) (أطلقوا سراح الفدائيين المعتقلين) (مكتب البعث الخندق العميق رغم كيد الحاقدين) (7 نيسان أضاءت دروب سورية الأسد) (سيبقى لبنان عربيا نعم لعروبة لبنان ووحدته) (الكتائب كلاب زئيرهم خري) (لقحوا أطفالكم ضد اليسار نعم لقيام حكومة جديدة في هذه المنطقة) (لبنان ليست إسرائيل أيها المخربين) (لبنان كان وسيبقى مقبرة الغزاة) (جيش لبنان العربي هو جيشنا الشرعي بقيادة أحمد الخطيب).

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً